القاضي سالم الموسوي

سؤال تبادر إلى ذهني ولفت الانتباه إليه خلال مطالعتي كتاب يتعلق بالإرهاب الفكري إذ عد الكاتب، وهو ذو خلفية دينية، بان اليهود اثروا في العالم من خلال وسيلتين مهمتين الأولى الإعلام والثانية القانون وذكر بان تأثير القانون لا يقل شأن عن تأثير الإعلام في توجيه حركة الإنسان

، وما دفعني إلى الكتابة عنه رغبتي في بيان مدى معرفة ذوي الشأن في القانون, من مرحلة التفكير في شريعة إلى مرحلة التطبيق مرورا بالتنفيذ , بان القانون يعد من الوسائل التي تسهم في ضبط سلوك الإنسان مثلما يسعى لحماية المصالح وصيانتها من خلال فرض العقوبة والجزاء على من يخرقها أو يرتكب الأفعال التي عدت جريمة بموجب قانون أو بناء عليه. والفعل الذي يرتكبه الإنسان لابد وان يكون قد صدر عن إرادة واعية لها أهلية قانونية لا يشوبها عيب من عيوب الإرادة، وان شابها عيب يكون صاحبها غير مسؤول كليا أو جزئيا على وفق المبادئ القانونية الأساسية ومنها حكم المادة (60) من قانون العقوبات رقم 111 لسنة 1969 المعدل التي جاء فيها (لا يسال جزائيا من كان وقت ارتكاب الجريمة فاقد الإدراك أو الإرادة لجنون او عاهة في العقل او بسبب كونه في حالة سكر او تخدير نتجت عن مواد مسكرة او مخدرة اعطيت له قسرا او على غير علم منه بها، او لاي سبب اخر يقرر العلم انه يفقد الادراك او المخدرة او غيرها سوى نقص او ضعف في الادراك او الارادة وقت ارتكاب الجريمة عد ذلك عذرا مخففا) والأفعال التي تعد جريمة لابد وان تتوفر على (الركن المادي، الركن المعنوي وركن المشروعيه) ويتجلى الركن المادي في سلوك الجاني وعلى وفق حكم المادة (28) من قانون العقوبات التي جاء فيها (الركن المادي للجريمة سلوك إجرامي بارتكاب فعل جرمه القانون او الامتناع عن فعل امر به القانون.) وهذا السلوك كما أشرت تسبقه مرحلة في التفكير والتدبر العقلي، فإذا علم الإنسان بان سلوكه القادم يحاسب عليه القانون ويعد جرما يسأل عنه، فانه سيسعى لان يضبط عقله عن التفكير خارج المسلمات القانونية ويضع حاجز نفسي يحول دون وصول الفكرة إلى حيز الوجود سواء عن طريق اليد أو اللسان أو عبر وسائل المكتوبة أو أي وسيلة أخرى، وهذا سيؤدي حتما إلى الإجابة بالإيجاب على السؤال عنوان هذه الورقة، وسيكون للقانون دور كبير في ضبط السلوك، وفيه جانب تربوي واضح، ولا يقف الأمر عند قانون العقوبات والقوانين الجزائية، بل شمل كل مجالات القانون وفي بعض القوانين فرضت أحكام قانونية تتقاطع مع بعض القواعد الفقهية التي يرى بعض من المذاهب الإسلامية إنها من المسلمات ومنها الأحكام التي تتعلق بالطلاق والميراث .والوصية الواجبة التي ورد ذكرها في قانون الأحوال الشخصية العراقي رقم 188 لسنة 1959 المعدل، إذ تقبل المجتمع العراقي بكل مذاهبه هذه الأفكار وضبط سلوكه مع ما ورد فيها من أحكام ولم يتعارض معها عند التطبيق، وهذا ما يؤشر إن القانون يؤثر في ضبط السلوك الإنساني، لكن عوامل الضبط التي يتوفر عليها القانون تكون أكثر مقبولية عند المواطن حينما يكون القانون أكثر إقناعا من جهة المصالح التي يسعى إلى إيجادها وحمايتها أو من جهة محاكاته للواقع وملامسته للحاجات اليومية للمواطن أو يعبر عن طموحه .أما إذا كان القانون يهدف إلى تعطيل الحياة أو تكميم الأفواه أو حماية المصالح الفئوية او الطبقية فان الأصوات تعلوا لتغيره أو إلغائه او حتى ان المواطن يعطله عبر الامتناع عن تنفيذه، لان البعض جعل من القانون وسيلة ديكتاتورية وأشرت إلى ذلك في ورقة نشرها وسائل الإعلام بعنوان (القانون وسيلة ديكتاتورية ) وبعض الباحثين وجد إن القانون أصبح من أدوات الصراع بين الحضارات ويشيرون إلى القوانين التي أصدرها الغرب تجاه الإسلام ومنها قانون (تجريم معاداة السامية) الذي يجرم كل فعل او نقد ضد اليهود، ومن خلال ما تقدم نجد إن القانون له أهمية كبرى في ضبط السلوك الإنساني، إذا ما أحسن تشريعه وتنفيذه وتطبيقه وسيكون من أهم ركائز السلم الأهلي والأمن الاجتماعي، وحيث إن الدور الأهم في ادوار تشكيل القانون وظهوره إلى الوجود يكمن في مرحلة تشريعه ومنذ لحظة التفكير في طرح المقترح او الفكرة لمشروع القانون، ولابد من ملاحظة ما يفرزه تطبيق هذا القانون من اثر تجاه ضبط السلوك الإنساني للمواطن، وان يراعي المشرع العراقي المصلحة الاجتماعية للجميع ولا يقف عند فئته او طبقته او عرقه، واضع هذا التساؤل عنوان هذه الورقة أمام المشرع العراقي ليضبط تفكيره تجاه القانون على وفق ضبط القانون السلوك الإنسان وان يلحظ ردود الأفعال تجاه ما يتخذ من قرارات وما يطرح من أفكار حتى يتناغم مع الجمهور من اجل إصدار تشريعات لها احترام وقبول لدى المواطن، الذي سيكون وعاء التنفيذ، وما لمسته من خلال مراقبة الأداء البرلماني للمشرع العراقي فانه  مازال يعمل بفكر الوصي أو القيم على الشعب وانه أدرى بمصالحه ويعده قاصرا، متناسيا إن الشعب هو الذي أوصله إلى مقعده في مجلس النواب، وحتى ان بعض الكتل السياسية التي رفعت شعار حرية الإنسان والدفاع عن مظلوميته وعلى وفق تصورات وخلفيات متباينة منها الإسلامي واللبرالي والعلماني وغيرها فهذه تحتكر الحقيقة لوحدها ولا ترى في غير منطقها منطقا سلميا وتزعم إنها وحدها راعية الحرية والمعبرة عن طموحات الجماهير مما حال دون ظهور السلوك والفكر النقدي الذي يصطلح عليه في الحياة البرلمانية (المعارضة) وإنما هذا الاحتكار أدى إلى ظهور الصراع الذي أعطى نتائج دموية على ارض الواقع الحياتي اليومي، وبذلك اختم الورقة وادعوا المشرع العراقي دون غيره إلا أن بضع السؤال الآتي (هل يضبط القانون سلوك الإنسان؟ ) ومن ثم يعمل لإعداد التشريع لأنه سيرى نفسه وذاته المعنية فيه دون غيرها وسيرى إن الآثار السلبية ستؤثر عليها باتجاه لا يتفق وعقيدته الإنسانية وستجنبه حرج التصويت على المصفحات سرا والتنصل عنها علنا .