قراءه في المنع الوارد بالقرار 120 لسنة 1994
بخصوص أطلاق سراح المتهم بكفالة من عدمه في دور
التحقيق أو المحاكمة
بادئ ذي بدئ فأن المادة (1) من القرار 120 لسنة 1994 لا تثير أي إشكاليه في تطبيقها والتي نصت ( لايطلق سراح المحكوم عن جريمة اختلاس او سرقة أموال الدولة او عن اي جريمة عمديه أخرى تقع عليها بعد قضائه مدة الحكم ما لم تسترد منه هذه الأموال او ما تحولت أليه او أبدلت به أو قيمتها).
وبالتالي فان اي شخص قد تم الحكم عليه بعقوبة في الجرائم أعلاه لا يمكن أطلاق سراحه بعد انتهاء محكوميته الا بعد استرداد تلك الأموال . وهذا النص واضح ولهذا سنركز في دراستنا هذه على المادة (3) من القرار 120 لسنة 1994 والتي أثارت إشكالات جمة في تطبيقها وتباينت الآراء حول نطاقها ومضمنها والتي نصت ( تسري أحكام هذا القرار على القضايا التي لاتزال في دور التحقيق او المحاكمة وعلى الإحكام التي اكتسبت الدرجة القطعية ).
ومن تحليل هذا النص نجد بأنه قد عالج حالات ثلاث ووفقاً لمتوالية زمنية متعاقبة يقتضي منطقاً أن تكون الحالة تلو الأخرى وهي :-
- الأوراق التحقيقية التي لاتزال في مرحلة التحقيق وهي التي تم تحريك الشكوى الجزائية فيها امام محكمة التحقيق في حينها او قبل صدور القرار سنة 1994 ولم يصدر القرار بإحالتها الى محكمة الموضوع آنذاك 0
- الدعاوى التي في مرحلة المحاكمة وهي الأوراق التحقيقية التي أحيلت من قبل محكمة التحقيق بعد أكمال التحقيق القضائي في الجرائم الى محكمة الموضوع آنذاك الا ان المحكمة الأخيرة تصدر حكماً نهائياً فيها قبل تاريخ صدور القرار سنة 1994 .
- الإحكام التي اكتسبت الدرجة القطعية وهذه الحالة واضحة وضوح الشمس اذ ان المشروع يقصد في ذلك الإحكام القضائية التي صدرت قبل صدور القرار120 لسنة 1994. ولا يقبل منطقا تفسيراً أخر او لمرحلة مستقبلية فهل يمكن تصور وجود حكم قضائي مكتسب الدرجة القطعية بعد صدور القرار . بل ان الإحكام التي قصدها المشرع في الفقرة (ثالثا) هي التي صدرت قبل إصدار القرار وشملها بأحكامه . فلهذا فأن قصد المشرع في الفقرة (ثالثا) هي عدم أطلاق سراح المتهم في دور التحقيق او المحاكمة بكفالة في القضايا التي ما تزال في مرحلة التحقيق والمحركة الشكوى فيها قبل صدور القرار 120 لسنة 1994 وصيرورته نافذا بعد ذلك ولا يقصد المشرع فيه عدم أطلاق سراح المتهم بكفالة بصورة مطلقة ومستمرة للحالات المستقبلية التي تحدث لاحقا وحجتنا في ذلك إيراد المشرع عبارة (لا تزال) وهذه العبارة تفيد الظرفية الزمانيه المحددة لمدة معينه فقط تنتهي بانتهائها وأسبابها ولاتفيد الإطلاق والديمومة الزمنية بأي شكل من الإشكال ولو كان قصد المشرع خلاف ذلك كان بمكانه توضيح ذلك بصورة جليه بعبارات وجمل تكون واضحة لا لبس فيها كأن يورد النص التالي ( لايطلق سراح المتهم عن جريمة اختلاس او سرقة أموال الدولة او عن اي جريمة عمديه أخرى تقع عليها في دور التحقيق او المحاكمة ) ا وان يكون نص بالمادة (1) من القرار شاملة المحكوم والمتهم فمثل هذا الفروض تكون مانعه من إطلاق سراح المتهم بكفالة ولا يمكن الاجتهاد في تفسيره لان المشرع في القرار 120 لسنة1994 لم يورد مثل هذا النص بل كان واضحاً وقاصداً فقط عدم أطلاق سراح المتهم بكفالة في القضايا التي كانت في مرحلة التحقيق او المحاكمة او كان صادراً فيها حكماً قضائياً اكتسب الدرجة القطعية قبل صدور القرار 120 لسنة 1994 فقط وما يدعم وجهة النظر هذه إلغاء المشرع القرار 38 لسنة 1993 والذي نص في الفقرة (1) عدم إطلاق سراح المتهم بجريمة الاختلاس او السرقة او الرشوة سواء كان في دور التحقيق او المحاكمة حتى صدور حكم بات في الدعوى والذي تم إلغاءه بالقانون رقم 45 في 26/8/2007 والمنشور في الوقائع العراقية بالعدد 4048 في 11/9/2007 وهذا يعني ببساطه بان القرار 38 لسنة 1993 وحده فقط كان مانعاً من إطلاق سراح المتهم بكفالة في دور التحقيق او المحاكمة لغاية 1993 ولان إزالة المانع يقتضي منطقيا عودة الممنوع لوضعه الأول وشرعيته الا وهو أطلاق سراح المتهم بكفالة كما انه ليس من العبث ان يصدر المشرع قانونا بإلغاء القرار 38 لسنة 1993 دون ان يكون ساري المفعول ونافذا وبعبارة ادق ومفهوم واضح فان إقدام المشرع على إلغاء القرار 38 لسنة 1993 تأكيدا منه الى جواز إطلاق سراح المتهمين في مرحلة التحقيق او المحاكمة في جرائم الاختلاس والإضرار بالأموال العامة وسرقتها استناداً الى الإحكام العامة الواردة في المادتين 109و110 من قانون أصول المحاكمات الجزائية اذ ليس من الحكمة التشرعية ان يصدر المشرع قرار بإلغاء تشريع بمنع إطلاق سراح المتهم بكفالة مع بقاء التشريع أخر بذات المضمون زد على ذلك كله ان المادة (5) من القرار قد جاء بصيغه غير مألوفة في الصياغة التشريعية اذ نصت ( ينفذ هذا القرار من تاريخ نشره في الجريدة الرسمية وحتى إشعار أخر) وإيراد عبارة ( حتى إشعار أخر) يدعو الى الاستغراب اذ ان المشرع قد أضاف نفاذ القانون الى فترة زمنية مستقبلية غير محدودة وغير معلومة ويستنبط من ذلك فان قصده من التشريع المادة(3) هي شمول المتهمين بقضايا قبل صدور القرار فقط به . وما يدعم ذلك أيرتد المشرع نص خاصاً بالمحكومين فقط والتي شملتهم المادة(1) ولم تشمل المتهمين بها ولعدم تخصيص نص صريح بشمولهم بالقرار 120 لسنة 1994 فلا يمكن تطبيق إحكام هذا القرار الا على المتهمين قبل صدوره والذين تم تحديدهم سلفا في الفقرة (1و2) من هذه الدراسة.
جل ما نقوله وتوصلنا اليه في مسألة إطلاق سراح المتهم بكفالة في مرحلة التحقيق او المحاكمة في الجرائم المتعلقة بالمال العام استنادا الى إحكام المادة (109و110) من قانون أصول المحاكمات الجزائية لا يتعارض مع الفقرة (ثالثا)من القرار 120 لسنة 1994 وعلى اقل تقدير يعتبر من المسائل التي تدخل ضمن الاجتهاد القضائي في تفسير النص من قبل المحكمة ولكن يبقى ان يكون الاجتهاد مسؤول في هذه الحالات بما لا يخالف القانون نصا وروحا.
القاضي
كاظم عباس حبيب
رئيس محكمة استئناف بابل الاتحادية