اختصاصات المحكمة الاتحادية العليا في العراق

فتحي الجواري

أهدى لي منذ ايام الدكتور (فرمان درويش حمد) كتابه الموسوم (اختصاصات المحكمة الاتحادية العليا في العراق) . ووجدت من المناسب ان اقرأ هذا الكتاب ، واستعرضه ، بمناسبة مهمة ، تلك هي تشغيل موقع (المحكمة الاتحادية العليا) الالكتروني . ليكون في ذلك تحية للموقع الجديد ، وكلمات شكر للمؤلف المهدي.

الكتاب كان في الاصل اطروحة دكتوراه ، نال عنها مؤلفه درجة الدكتوراه العلمية ، ثم اتجه الى ان تصل الاطروحة الى ايدي اكبر عدد من المهتمين بموضوعها ، فكان هذا الكتاب.

الكتاب من القطع المتوسط ، مجلد تجليدا فاخرا ، ضم بين دفتيه (448) صفحة . وهو من منشورات (مكتبة زين الحقوقية والادبية) في بيروت عام 2013.

اهدى المؤلف كتابه الى (كل من عرف الحق وابصره) . وهو اهداء له معان عديدة . فليس كل الناس يعرفون الحق ، وان عرفوه ، فقد لايبصروه . والبصر هنا لايعني رؤية العين ، وانما البصيرة ، الرؤية الحقيقية في القلب والوجدان والعقل . ومثل هذه الرؤية ، نادرة ، فلوشاعت بين الناس ، لما وجدناهم يتناحرون ، احدهم يذبح الآخر على حطام هذه الدنيا الفانية.

نعود للكتاب الذي نقرأه .

المحاكم الدستورية ، هي اعلى سلطة قضائية في اي قطر من اقطار العالم ، تتحدد طريقة اختيار قضاتها وصلاحياتها ، ضمن دستور البلاد . وتختلف هذه الطرق والصلاحيات ، من دولة لأخرى ، الا ن لهذه المحاكم  ، بشكل عام ، القول الفصل بتوافق أي قانون او تشريع مع الدستور ، الذي هو ابو القوانين والتشريع الاسمى ، في أية دولة حديثة .ولذلك لاتجوز مخالفته.

تختلف طرق تصدي المحكمة العليا لعدم دستورية القوانين من دولة لاخرى . الا ان العمل اقتصر على طريقين ، الاول منهما ان تتصدى المحكمة من تلقاء نفسها لقانون ما ، فتتحرك من تلقاء نفسها للتأكد من مدى مطابقته للدستور . اما الطريق الثاني ، فيختلف من دولة لاخرى ، ومن دستور لآخر ، إذ يمكن للحكومة ، او البرلمان نفسه ، او أية جهة أخرى ، ان تطعن بعدم دستورية التشريع امام المحكمة العليا ، فتقوم هذه المحكمة بالنظر في مدى مطابقة التشريع للدستور .

وقد تختص المحكمة العليا ، في بعض الانظمة ، بتفسير مواد الدستور . بناءا على طلبات تردها من الجهات التي يحددها الدستور او قانون تأسيسها .

قد يضاف الى اختصاصاتها محاكمة رئيس الدولة ، وكبار المسؤولين فيها .

تتصف احكام المحكمة العليا بكونها قطعية وغير قابلة للطعن ، باعتبارها (اعلى سلطة قضائية) في البلاد .

شهد العراق تشكيلات تكاد تقترب في اختصاصاتها مع اختصاصات المحاكم العليا . فتضمن القانون الاساسي العراقي لعام 1925 ما يشير لتشكيل المحكمة العليا . كما اشار لها دستور 1968 باسم المحكمة الدستورية العليا ، التي لم تر النور لالغاء هذا الدستور بعد فترة وجيزة .

الى ان اشار قانون ادارة الدولة العراقية للمرحلة الانتقالية لعام 2004 ، لتشكيل المحكمة الاتحادية العليا ، واكد عليها دستور عام 2005 .

بعد هذا الايجاز عن المحكمة العليا بشكل عام ننتقل مع القاريء الكريم لاستعراض كتاب (الدكتور فرمان درويش حمد) الموسوم (اختصاصات المحكمة الاتحادية العليا في العراق) .

اشار المؤلف في مقدمة كتابه  الى الانعطافة المهمة التي شهدها نظام الحكم في العراق بعد عام 2003 حين تم تبني النظام الاتحادي للدولة ، وانشاء الاقاليم ، واقرار الوجود الدستوري لاقليم كوردستان . وتم الأخذ بنظام الفصل بين السلطات ، مما اانعكس كل ذلك على طبيعة النظام القضائي ، وجعل الحاجة ضرورية لوجود محكمة عليا تتولى ضمان احترام تطبيق الدستور ، وعدم التجاوز على مبادئه ، وترسيخ مبدأ سيادة القانون ، والفصل في المنازعات التي تنشأ عن تطبيق القانون . الى غير ذلك من الاختصاصات التي تمارسها المحاكم الاتحادية في الانظمة الفدرالية .

في ظل قانون ادارة الدولة العراقية للمرحلة الانتقالية ، تم تبني النظام الاتحادي للدولة العراقية ، واشار في مادته (44) الى ان يجري تشكيل محكمة تسمى (المحكمة الاتحادية العليا) ، مهمتها الرقابة على دستورية القوانين ، والنظر في النزاعات التي قد تنشأ بين اطراف الحكومة الاتحادية . وبناءا على ذلك اصدر مجلس الوزراء (استنادا لصلاحيته الدستورية) الامر التشريعي رقم (30) لسنة 2005 ، متضمنا تأسيس المحكمة الاتحادية العليا في العراق محددا اختصاصاتها ، ومهامها ، وكيفية قيامها باعمالها . ثم جاء دستور (2005) ليعتبر المحكمة الاتحادية العليا هيئة قضائية مستقلة ماليا واداريا .

باشرت المحكمة الاتحادية العليا مهامها ، ونهضت بمسؤولياتها كأعلى هيئة قضائية اتحادية في العراق ، مسايرة بذلك الدول المتقدمة في مجالها ، وقد تكللت مسيرة هذه المحكمة بقبولها  عضوا في اتحاد المحاكم والمجالس الدستورية العربية مؤخرا .

بين المؤلف الاسباب التي حدت به لاختيار هذا الموضوع اذ اراد ابراز الدور الهام الذي تلعبه هذه المحكمة في الحفاظ على النظام الاتحادي للدولة ، والعمل على حماية الدستور ، ومراقبة مبدأ الفصل بين السلطات ، واقامة التوازن بينها عن طريق رقابتها على اعمال السلطات الاتحادية في الدولة من خلال اختصاصاتها الممنوحة لها في اطار الدستور والقوانين . ولتوضيح اجراءات التقاضي امام هذه المحكمة . وقد اقترنت دراسته الاكاديمية النظرية بدراسة عملية للقرارات التي اصدرتها المحكمة خلال مسيرتها منذ بدايات تأسيسها ولحد كتابة الاطروحة .

قسم المؤلف كتابه الى اربعة فصول ، تناول في الاول منها التعريف بالمحكمة الاتحاديةالعليا في العراق ، قد قسمه الى ثلاثة مباحث ، تضمن المبحث الاول التطور التاريخي للمحكمة الاتحادية العليا في الدساتير العراقية . في المبحث الثاني درس نشأة وتكوين المحكمة الاتحادية العليا في النظام الاتحادي . وخصص المبحث الثالث لتمييز المحكمة الاتحادية العليا عن غيرها من الهيئات القضائية .

في الفصل الثاني بين اختصاص المحكمة الاتحادية العليا في الطعن باحكام محكمة القضاء الاداري ، وقد تناول ذلك في مبحثين ، بين في الاول منهما شروط واسباب الطعن تمييزا امام المحكمة الاتحادية العليا . اما في ثانيهما فقد اشار الى اجراءات الطعن امام المحكمة الاتحادية العليا ، وولايتها عند الفصل في الطعون . (ويكاد هذا الاختصاص ان ينتهي اثر تشريع قانون تعديل قانون مجلس شورى الدولة مؤخرا. فقد اصبح الطعن بقرارات محكمة القضاء الادارية ، من ضمن اختصاصات تشكيلات مجلس شورى الدولة) .

الفصل الثالث خصصه لاختصاص المحكمة الاتحادية العليا في نظر المازعات بين اطراف الحكومة الاتحادية . وجاءهذا الفصل في مبحثين تطرق في الاول منهما الى الفصل في المنازعات المتعلقة بالاختصاص بين الحكومة الاتحادية والحكومات المحلية . اما ثانيهما فقد تناول فيه اجراءات رفع دعوى المنازعة امام المحكمة الاتحادية العليا .

الفصل الرابع ، وهو الآخير من هذه الدراسة ، فقد درس فيه الاختصاصات الدستورية للمحكمة الاتحادية العليا وقد قسمه الى ثلاثة مباحث . الاول منها بين فيه اختصاص المحكمة الاتحادية العليا بالرقابة على دستورية القوانين وتفسير نصوصها . اما المبحث الثاني فقد خصصه لبيان اختصاص المحكمة الاتحادية العليا بالمصادقة على نتائج الانتخابات النيابية ، والفصل في صحة عضوية اعضاء مجلس النواب . المبحث الاخير تضمن دراسة اختصاص المحكمة بالفصل في الاتهامات الموجهة الى رئيس الجمهورية ، ورئيس مجلس الوزراء ، والوزراء .

انتهت الدراسة بخاتمة بين فيها اهم النتائج التي توصل اليها من خلال دراسته والتوصيات التي وجدها مناسبة .

اعتمد المؤلف في انجاز دراسته على قائمة طويلة من الكتب ، والرسائل ، والاطاريح ، ومتون الدساتير والقوانين ، والانظمة ، والمواقع الالكتورنية ، والمصادر الاجنبية.