فتحي الجواري

مرت علينا قبل أيام الذكرى الثالثة لرحيل الاستاذ المرحوم عبد الامير العكيلي . فمنذ انتقل الى رحمة الباري لم يغب عن الذاكرة . كان أبرز ما يميز شخصية هذا الرجل الوضوح التام ، فتلك صفة ملازمة للمعلمين الرواد ،  إذ منذ أن خطى خطواته الاولى ليدرس في كلية الحقوق ، إبان اربعينات  القرن المنصرم ، اجتذبت شخصيته ، وقلبه الكبير طلابه ، وهم يعدون اليوم بالآلاف . ولذا فإني اتساءل اليوم من من القانونيين لم ينهل من علم هذا الرجل ؟ فمن لم يسعفه حظه ان يتلقى علومه منه مباشرة ، فلا بد انه نهل من مؤلفاته ، وهي كثيرة.

أكاد اجزم قبل أن افتح دفتي أي كتاب يبحث في مسألة قانونية أصولية ، اني سأجد اسم الرجل بين أسماء مصادر الكاتب ، وفعلا أجد ذلك بالتأكيد .

رغم مظهره المتصلب العنيد ، الا ان الانسان سرعان ما يكتشف انه يخفي قلبا حنونا ، طيبا ، حساسا .

كان ذلك المظهر المتصلب قد أكتسبه حين كان قد تصدى لتمثيل المجتمع من خلال عمله في جهاز الادعاء العام ثم ترؤسه للجهاز ، فقد كانت هذه الوظيفة تتطلب منه المواجهة الصريحة المباشرة ، للدفاع عن الحق العام ، وللدفاع عن العدالة ، والسعي لتطبيق سليم وعادل للقانون .

كانت مهمته هذه تدعوه الى ان يقول أي شيء لمن يريد ... متى يريد ... وكيفما يريد .

تلك مذكراته التي وجهها للمسوؤلين ابتداءا من اعلى رجل دعاهم فيها لسلوك جادة القانون ، تشهد له ،  فقد كان ينبه ، ويدعو ، ويطالب . متوخيا احقاق الحق ، وإزهاق الباطل ، موقنا ان القضاء (ومنه الادعاء العام) هو السياج الذي يحتمي به المظلوم ، ويأوي اليه المكلوم .