تعد الانتخاب وسيلة ديمقراطية حضارية في تداول السلطة ووجه من وجوه سيادة الأمة واهتمت بها الامم والشعوب التي اعتمدت الانتخابات منهجا لها في ادارة الحكم، وأصدرت القوانين واللوائح التشريعية لتنظيمها، مثلما اجتهد فقه القانون الدستوري والمهتمين النظم الدستورية في ايجاد النظريات تجاه آلية الانتخابات وشروط الناخب والمرشح وطريقة احتساب الاصوات والجهات المشرفة عليها، والعراق بوصفه من البلدان حديثة العهد في الممارسة الديمقراطية صدر قانون انتخاب مجلس النواب رقم (16) لسنة 2005 المعدل وقانون انتخاب مجالس المحافظات رقم (26) لسنة 2008 واعترت هذا القوانين جملة من الاخطاء عند الممارسة، مما دعا مجلس النواب الى تعديله تشريعا مثلما تصدى للبعض الاخر للطعن في دستورية بعض نصوص تلك القوانين وأصدرت المحكمة العليا قراراتها التي قضيت بعدم دستورية نص الفقرة (5) من المادة (13) من قانون انتخابات مجالس المحافظات بموجب قرار المحكمة الاتحادية العدد 67/اتحادية/2012 في 22/10/2012 والفقرة (رابعا) من المادة (3) من قانون انتخابات مجلس النواب بموجب قرار المحكمة الاتحادية العدد 12/اتحادية/2010 في 16/4/2010
وفي قرارات اخرى تتعلق بالكوتا النسائية والمكونات المجتمعية الأخرى وعند مناقشة مشروع قانون تعديل قانون انتخابات مجلس النواب في جلسة المجلس ليوم 25/7/2013 لاحظنا النقاشات التي جرت تحت قبته، فاخذ البعض يسوق الحجج لإعادة انتاج قانون جديد ينسجم وتطلعات النواب في تفصيل القانون على مقاساتهم وحصر الترشيح بفئاتهم الوظيفية والعمرية والحزبية، ومن هذه الحجج موضوع طريقة احتساب الاصوات والذي كان هو اساس التعديل بعد الحكم بعدم دستورية المادة (3) من قانون انتخابات مجلس النواب، ومن خلال المعدل العمري الذي اثاره بعض البرلمانيين ظهرت عدة اصوات لرفع عمر المرشح للانتخابات وجعله (35) خمسة وثلاثون عام كحدٍ ادنى للمرشح الى عضوية مجلس النواب، ودافع اصحاب هذه الحجة بان عضو مجلس النواب لابد وان يتمتع بالخبرة، وهذا الصوت الذي سمعته يشكل هاجساً كبيرا تجاه مسعى مجلس النواب في شخصنة المواقع للقائمين على امور البلاد ومحاولاتهم لإبعاد شريحة كبيرة ومؤثرة من المجتمع وهي الفئة العمرية المحصورة بين (35) خمسة وثلاثون عام و(28) ثمانية وعشرون عام وهم شباب المجتمع العراقي.
ووجدت في هذه المسعى مطلب مخالف للأحكام الدستورية لان الدستور العراقي لعام ( 2005) اعطى حق المساواة للمجتمع على وفق احكام المادة (14) ولم يحدد عمراً معينا للترشيح وإنما اعطى لكل عراقي تتوفر فيه الشروط والاهلية القانونية للشخص بلوغ سن الرشد والتي حددها الشرع العراقي بثمانية عشر عام على وفق حكم المادة (106) من القانون المدني رقم 40 لسنة 1951 المعدل وتقييد الفئة العمرية لمن يرشح لمجلس النواب بسن الخامسة والثلاثين هو تمييز يتنافى ومبدا المساواة الذي اقره الدستور, ومال يتعكز عليه اصحاب هذه الاصوات بضرورة توفر الخبرة لدى عضو مجلس النواب فانه في غير محله لوجود اكثر من استفهام حول مفهوم الخبرة فهل يقصد بها الخبرة الحيايتة ام السياسية وهل هي خبرة العمل الذي مارسه الشخص ام التي اكتسبها بالمعرفة ؟ لان تعريف الخبرة عند فقهاء الشريعة وعلم الاجتماع والقانون جاء بشكل متطابق نسبيا وهو الالمام وبالعلوم والمعارف وهي العلم بالشيء وعند اهل الاختصاص هي (طريق من طرق الإثبات يتم اللجوء إليها إذا اقتضى الأمر لكشف دليل أو تعزيز أدلة قائمة) وفي هذه الايضاحات لم نجد ما يشير الى ربط العمر بالخبرة وإنما كانت الخبرة ترتبط بالمعرفة فضلا عن طبيعة العمل البرلماني هو عمل تشريعي فيه جنبه سياسية واقتصادية واجتماعية وقانونية وغيرها من مجالات الحياة اللامتناهية.
ومن ذلك فان من يتمتع بالخبر هل كان خبيرا في تلك المناحي او انه كان اكثر معرفة من الذين اصغر منه عمرا ، لا اظن ذلك لأنه لو كان خبيرا في عالم السياسة الذي سعى للتوسم به لوجد ان معظم النقاط المفصلية في حياة الشعوب كانت بقيادة وتخطيط وتنفيذ الشباب، ولو كان خبيرا في سائر العلوم الاخرى لما سعى الى الاستعانة برهط المستشارين من الشباب، ويحدثانا التاريخ بان المعرفة لم تكن حكرا على كبار السن وإنما في صغار العمر من اصحاب المواهب وفي القران الكريم مصداق لذلك حينما اصطفى الله عز وجل نبياً من الشباب ومهمة الانبياء مهمة عظيمة لا تدانيها مهمة عضو مجلس النواب وعلى وفق الاية 19 من سورة مريم (يَا يَحْيَىٰ خُذِ الْكِتَابَ بِقُوَّةٍ وَآتَيْنَاهُ الْحُكْمَ صَبِيًّا) والمعرفة التي تمثل الخبرة هي الحكمة التي توفر عليها الانسان وبذلك فان من اوتي الحكمة فقد اوتي خيرا كثيرا على وفق الاية الكريمة رقم 269 من سورة البقرة (يُؤْتِي الْحِكْمَةَ مَنْ يَشَاءُ وَمَنْ يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْرًا كَثِيرًا وَمَا يَذَّكَّرُ إِلَّا أُولُو الْأَلْبَابِ) والحكمة لم ترتبط بالعمر بل على العكس يكون التقدم في العمر سبة على الانسان وعلى وفق الاية الكريمة رقم 16 من سورة النحل (وَاللَّهُ خَلَقَكُمْ ثُمَّ يَتَوَفَّاكُمْ وَمِنْكُمْ مَنْ يُرَدُّ إِلَىٰ أَرْذَلِ الْعُمُرِ لِكَيْ لَا يَعْلَمَ بَعْدَ عِلْمٍ شَيْئًا إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ قَدِيرٌ) وارى بان هذه الحجة من الواهية من حيث المنطق والمخالفة للدستور، يرد على من يتمسك بها بان المعرفه لا تقاس بطول الاعمار وإنما بنضوج العقل، لذلك فان حق الشباب في الترشح الى مجلس النواب كفله الدستور في المادة (29) وعلى مجلس النواب ان يراعِ هذا الحق الدستوري وتقليل عمر المرشح لا ان يرفعه الى عمر (35) خمسة وثلاثين عاماً، لان الشباب لهم ميزة التفاعل الحيوي والقدرة الفاعلة في ادارة الامور افضل من الذي ترهل في عمره وتعطلت بعض قواه الفكرية.
القاضي
سلمان روضان الموسوي