((الموقع الاعلامي للمحكمة الاتحادية العليا في العراق))
ظهر الى الوجود الافتراضي الموقع الالكتروني للمحكمة الاتحادية العليا بحلة بهية، مسجلا اضافة جديدة لروافد الحكمة، التي تصب في اثراء بحر المعرفة القانونية والقضائية واحتوى كل نشاطات المحكمة الاتحادية وجُلَ النشاطات الاخرى للمؤسسات القضائية العراقية والعربية، فضلا عن فتح نافذة للدراسات والبحوث القضائية الدستورية وغيرها مما يسهم في تعزيز الثقافة القضائية، ويشكل هذا الظهور باقة امل لدى المختص في الشأن الدستوري فقهاً كان ام قضاءً بعد ان سُدَت عليه منافذ العلم والمعرفة بها، عندما حُجِبت احكام المحكمة الاتحادية العليا وكل ما يمت لها بصلة من الموقع الالكتروني للسلطة القضائية بعد صدور قانون مجلس القضاء الاعلى رقم (112) لسنة 2012 مع ان مجلس القضاء الاعلى والمحكمة الاتحادية هما اجنحة السلطة القضائية على وفق احكام المادة (89) من دستور العراق النافذ
, لكن بعد ان غُلِقَت الابواب فتح الله بابا للمعرفة برافد تنساب فيه رقراقةً مفردات الحكمة ، وكانت مبادرة معالي رئيس المحكمة الاتحادية العليا بإنشاء وإطلاق الموقع بعد ان بثت له الشكوى بعدم القدرة في الحصول على الاحكام والقرارات التي تصدرها المحكمة الاتحادية وهي من مفردات عمل القاضي والباحث والمحامي والمفكر وسائر المواطنين، وفي حينه توقفت متأملا الاخرين في حجبهم منافذ المعرفة الذي احدث اثراً سلبياً في الحياة الثقافية والقضائية والقانونية، وحاولت جاهدا ان ارى تفسيرا مقنعا او اتلمس الحكمة في غلق وحجب المعلومات، مع انها حق من حقوق الانسان والموقع الجديد لم يحجب السابق بل اضافه الى الروابط ذات الصلة وذلك للتواصل في المعرفة القضائية والقانونية، والحكمة كما نعلم وسيلة الدعوى الى الله عز وجل بمصداق الاية الكريمة (125) من سورة النحل المباركة وجاء في صدرها (ادعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ )، لكن في الادب العربي نجد ما يهون الامر علينا بصياغة الشعراء من جواهر الكلام مفردات معبرة عن حكمة تشفي غليل المتلهف الباحث عن إجابة ومنها قول الشاعر المصري المعاصر (فيصل احمد حجاج) في قصيدته نبض الحكمة بقوله :
ألا ياحكمةُ الحُكَما أجِيبى شُحُوبى زادَ ، حاصَرَنى الذّهُولُ ؟!
وقولِى للذى قَدْ عَقّ أَهْلاً هلُمّ ارْجِعْ وصالحْ مَنْ تَعولُ
وولكن عاد ذلك النبض وانأ اعلم ان ذلك الموقع لم يكن يرى النور لولا وجود ذلك الشخص المعطاء الذي جعل من نشر الثقافة القانونية والقضائية ديدنه ومسعاه وعلى وجه الخصوص في مجال القضاء الدستوري و في العراق وعلى الرغم من حداثة القضاء الدستوري فيه بعد تشكيل المحكمة الاتحادية العليا بموجب الامر 35 لسنة 2005 والذي كان متزامنا مع دخول العراق في مرحلة العمل الديمقراطي المؤسساتي على وفق مبدأ الفصل بين السلطات فكان التشريع يصدر عن السلطة التشريعية ( مجلس النواب) ولان هذه التجربة حديثة ولم تصل الى مرحلة النضج الكامل مع ما يحيطها من ظروف وعند ممارستها لعملها اصدرت عدد من القوانين وكان بعضها لم تراعِ فيه فنون الصياغة التشريعية، مما شاب بعضها النقص والغموض، وبعض هذه القوانين كانت مهمة ومفصلية في بناء العراق الديمقراطي الجديد مما دعا بعض الناشطين في المجتمع المدني الى الطعن في هذه القوانين امام المحكمة الاتحادية العليا التي تصدت للفصل في هذه الطعون على وفق المبادئ الحديثة في علم التفسير وفنون القانون وصواب الاجتهاد وكان لها دور كبير في معالجة النقص في هذه التشريعات بإكمالها بالإحكام قضائية التي أصدرتها وكان لمعالي رئيس المحكمة الاتحادية القاضي مدحت المحمود مع الهيئة القضائية في المحكمة،الدور الاكبر في هذه الاطلالة للموقع ألالكتروني وكنت قد ذكرت في مقال نشر قبل مدة من الزمن في عدة صحف محلية وعربية عن فضيلة ذلك الرجل المعطاء وأثره في الحياة القضائية وكان تحت (القاضي مدحت المحمود اضاءة مشرقة وعطاءٌ مثمر) ولم اجد غير نشره مرة اخرى مرفقا بهذه الورقة، جوابا بديلا عن مدى سروري بظهور وانطلاق الموقع الالكتروني للمحكمة الاتحادية العليا في العراق ،متمنيا للقائمين عليه دوام التوفيق والنجاح والعمل الجاد لتطويره والارتقاء به الى ما نطمح اليه .
بسم الله الرحمن الرحيم
القاضي مدحت المحمود
اضاءة مشرقة وعطاءٌ مثمر
لا تبنى الاوطان ولا تنهض الامم الا بإرادة ابنائها المخلصين لها، هذه الكلمات استعرتها من القاضي مدحت المحمود قالها يوما عند تقديمه لكتاب يتعلق بالثقافة القضائية والقانونية ولم اجد غيرها مطلعا لهذا المقال ينسجم وما اسعى لكتابته تجاه لحظة زمنية فاصلة في بناء العراق الجديد تمثلت في اختبار رئيس جديد لمجلس القضاء الاعلى في العراق بعد صدور قانون مجلس القضاء الاعلى رقم 112 لسنة 2012 هذا الاختيار يعد انجاز كبير لمؤسسة قضائية جاهدت لنيل القضاء استقلاله، ابتداء من نجاحها في استصدار الامر رقم 30 لسنة 2004 الذي استقل بموجبه القضاء واصبح سلطة مستقلة عن السلطة التنفيذية ثم توالى المنجز في تشكيل المحكمة الاتحادية بموجب الامر 35 لسنة 2003 وتوج ذلك الجهد بإصدار قانون مجلس القضاء الاعلى رقم 112 لسنة 2012 الذي لم يكن يمثل طموح الاسرة القضائية، الا انه اكمل بناء مؤسسات السلطة القضائية، التي تعد الضامن لحقوق الافراد والحارس على تطبيق القانون وأهمية هذه الانجازات ليس لأنها اسست لبناء سلطة قضائية متكاملة في مؤسساتها وبناها التحتية، فحسب وإنما في الظروف التي تم فيها هذا المنجز، والمراقب للوضع السائد في العراق منذ عام 2003 ولغاية الان سيرى ويلحظ ان الدولة في حين من الدهر تلاشت وسادت الفوضى باستثناء القضاء الذي بقى عاملا في كل الظروف التي مرت ولم تجد اي محكمة تعطلت عن تقديم خدمتها للمواطن او ان قاضيا توانى عن اعتلاء منصة العدالة في ظل الفوضى وغياب الدولة وكان متحديا يقدم التضحيات التي عبدت طريق الحق بدماء اعضاء السلطة القضائية من قضاة ومحققين وموظفين وعمال، وفي ضوء ما تقدم قد يستفهم البعض عن اسباب ذلك الاصرار على النأي بالسلطة القضائية عن معترك السياسة او الاستمرار بتقديم خدماتها فاننا سنجد ان لادارة تلك السلطة بكادر مهني متمرس في العمل القضائي تولى دفة ادارته و كان على رأسه معالي القاضي مدحت المحمود وكان لوجوده على رأس السلطة وإدارتها اثر في بقاء ساحة العدل دون الانحياز او الميل نحو الاهواء السياسية، اذ تحملت ادارة المجلس ممثلة برئيسها القاضي مدحت المحمود احتواء الصدمة والهجمات التي تعرض لها القضاء، والتي لم تتوقف الى الان وكانت لشخصيته اثر بالغ ومؤثر في احتواء الازمات وادارتها اذ يتمتع شخص القاضي مدحت المحمود بمزايا كان لها دور في تحقيق المنجز واستقبال االقادم، وقال فيه البروفيسور شبلي ملاط في مقال نشرته صحيفة القانون والسياسة الالمانية عام 2009 ((ان ما قام به رئيس المحكمة الاتحادية العليا وزملائه كان مذهلا لمن يتتبع مسيرة السلطة القضائية خلال السنوات العصيبة لبناء سيادة القانون بعد 40 عام من الدكتاتورية .. وقدم القضاة العراقيون لبلدهم على مدى السنوات الخمس الماضية تفان لا مثيل له على هذا الكوكب، لا شيء اقل من البطولة، وقلب كلب هذا العمل والتفاني مدحت المحمود)) لذلك ولمن لم يتعرف على معالي القاضي مدحت المحمود عن قرب سأخبره بان لمعاليه خبرة في القضاء تربو على نصف قرن واكب فيها العمل القضائي متدرجا في سلم المناصب على وفق مؤهلاته الشخصية والعلمية ولم يكن يوما بعيدا عن القضاء او همومه وله من الملكة التي تجيز لي ولغيري وصفه بالفقيه في مجال القانون، ولم اقدم جديدا بذلك بل اطلق عليه اللقب قبل سنوات عديدة عندما كان عضوا في لجنة كتابة القوانين الموحدة في الوطن العربي في مجال الاحوال الشخصية والقاصرين والتنفيذ، فكان لمقترح القانون الموحد لرعاية القاصرين حضوة القبول من جميع البلدان العربية واعتماد اكثر من تسعين في المئة من بنوده في القانون العربي الموحد للقاصرين، كما كان وما زال معالي القاضي مدحت المحمود باحثا علميا في فقه القانون وتولى الدرس بعد البحث في القانون وفنون القضاء وكان من الرعيل الاول الذي تولى التدريس في المعهد القضائي فتخرج منه اغلب قضاة العراق بعد عام 1979 ولغاية الان ومنهم من اعتلى المناصب القضائية والوزارية وأخرهم من تولى الان رئاسة مجلس القضاء، فجلهم من نهل من علم القاضي مدحت المحمود وسقوا ساحات فكرهم من ينابيع فكر المحمود القضائي فاعتبر عطاء اُثراُ واجتهاداُ فكرياُ ادام سديم العدالة في سوح القضاء . ولأسلوبه في التعامل مع العاملين معه في المؤسسة القضائية اثر في قوة القضاء ووقوفه بثبات امام عواصف المحاصصة والتقسيم فهو زميل لكل القضاة حتى وان امضوا يوما واحدا في عملهم، وان كانوا قد تخرجوا على يد تلاميذ تلاميذه في المعهد القضائي او كليات القانون، وهذا ما جعل منه قدوة في التعامل اليومي للسادة القضاة عند تصديهم لعملهم مع الكادر الوظيفي الذي يعمل بمعيتهم او مع زملائهم حتى وان كانوا في مناصب قضائية ادنى منهم وله اثار مهمة في التأليف القانوني واصدر اكثر من كتاب في فنون القضاء ما زال الكثير يعتمدها مصدرا لما تتضمن من رصانة في الاسلوب والدقة في المعلومة، ولم تقف المؤسسة عن مقاومة رياح السياسة والمحاصصة بل تمكنت بفضل درايته في فن الادارة على استخلاص حق القضاة من براثن بقية السلطات تجاه تعظيم مواردهم المعاشية للعاملين في القضاء او الذين احيلوا على التقاعد، وتعدى الامر الى اكمال البنى التحتية للقضاء فبعد ان كان عدد المناطق الاستئنافية قبل عام 2003 تسعة مناطق عدا اقليم كردستان اصبح الان ستة عشر منطقة استئنافية لكل محافظة منطقة استئنافية لتسهيل تقديم الخدمات الى المواطن قرب موطنه وامتدت الخدمة القضائية افقيا وانتشرت المحاكم في جميع اقضية العراق وعدد كبير من النواحي فضلا عن تشييد الابنية التي تليق بالقضاء وتأمين راحة المواطن في ظل سياسة كانت وما زالت تحارب المؤسسة القضائية تنكيلا بها لعدم انصياعها لسجالات السياسيين فكان لحسن الادارة في تأمين الموارد المالية ،بالتنسيق مع السلطات المالية والجهات المانحة من اصدقاء العراق، اثر كبير ولم يقف الامر عند هذا الحد بل كان له الدور الاكبر في تطوير وتأهيل القضاة تجاه المستجد في فن القضاء وعلم القانون والانفتاح على البلدان المتطورة ومواكبة التطور فيها عبر الابتعاث لاغلب القضاة الى هذه البلدان لاكتساب المهارات، مثلما كان الاهتمام كبير في بناء كادر وظيفي مساند للعمل القضائي عبر الدورات والتطوير تعظيم الموارد البشرية، اذ اصبح عدد القضاة اكثر من (1600) الف وستمائة قاضي بعد ان كان في عام 2003 لا يتعدى (400) قاضي اربعمائة قاضي وأكثر من ستة آلاف موظف بعد ان كان في عام 2003 لا يتعدى ثمانمائة موظف وعدد كبير من منتسبي الحماية ، فضلا عن انشاء معهد التطوير القضائي وأقسام تخصصية لتأمين تقديم الخدمة القضائية الفضلى للمواطن بوسائل تقنية حديثة ثم ادخالها في العمل القضائي، وهذا بعض مما حصل في القضاء للفترة التي تولى فيها معالي القاضي مدحت المحمود رئاسة مجلس القضاء، فهو انجاز يحسب له ولزملائه العاملين معه في السلطة القضائية ولم اسمع منه يوما التكلم بلغة المتفرد في الاداء وانما كان يتكلم بلغة الجميع، واعود الى ما بدأت فيه ان صدور قانون جديد لمجلس القضاء، مع ما لدي من تحفظ تجاهه، يشكل مفصلا مهما وانجازا كبير وثمرة لعطاء القاضي مدحت المحمود فهو الذي ذكر قبل اكثر من ستة اعوام بسعيه الى اصدار قانون جديد لمجلس القضاء الاعلى يتيح للكوادر القضائية في تولي المناصب القضائية بآلية مهنية عالية واحترافية دقيقة بعيدة عن التجاذبات السياسية وكان الامل يحدوه ببلوغ ذلك اليوم، وقد تحقق بعد ان وضعت الاسس السليمة لاستمرار السلطة القضائية في اكمال المسيرة باستقلالية تامة وقوة كافية تجاه كل الظروف، لان القضاء المستقل هو من حقوق الانسان ، ولا اوفي معالي القاضي مدحت المحمود حقه بما تقدم لأنه كان اكبر من الظروف والأهوال التي مر بها العراق، فهو الذي توكأ على جرحه الذي لم ولن يندمل بفقدانه ابنه الوحيد حينما ذهب شهيدا مع ركب الشهداء ووقف صامدا شامخا حتى لا يستقوي على القضاء اعداء العراق، فكان حكيما قبل ان يكون حاكما تجاه من قتل ولده الوحيد، ولم يثأر لدمه وانما عد العمل في وجود قضاء عادل هو انصاف لكل ضحايا الإرهاب، وهذه خصلة ميزته عن غيره والتي اكتسبها عبر سنوات طوال قضاها منقبا عن الحكمة في بستان المعرفة، حتى توسم بها، فكان لصمته تجاه من يزعق حكمة العاقل في النأي عن الرد تجاه الجاهل لان من تجرأ عليه لم يكن إلا من طالته المساءلة القانونية بقرارات قضائية وحينما ادرك هذا المتقول والجاني على معالي القاضي مدحت المحمود انه متوفر على شبهة الاتهام فسعى لاستباق العدل بزعيقه الذي لن ينفعه تجاه وقوفه امام العدالة التي ستنصفه ان كان بريئا او تنصف من جنى عليه ان كان مذنباُ، ولا يسعني إلا ان اهنئ معالي القاضي والمفكر مدحت المحمود على تحقيق ما سعى اليه وتلمس ثمار عطاءه الذي سقاه بعرق الجبين ودماء الشهداء واسأل الله يمن عليه بوافر الصحة لإدامة العطاء والتواصل في خدمة العراق العزيز وشعبه الكريم.
القاضي
سالم روضان الموسوي