القاضي سالم روضان الموسوي: القضاء المستقل هو ضمانة المواطن تجاه خرق السلطة التنفيذية حقوقه التي تمتد حيثما تجد لها متسعاً.
يعتبر القضاء من اهم مرتكزات الدولة الحديثة بل ركن اساس من قيام الدولة وتطورها وقديما كان العراقيون في قمة ابداعهم وتحظرهم عندما اكد الانسان العراقي الحاجة الضرورية لتشريع القوانين والاحتكام اليها في احوالهم وقضاياهم فكانت مسلة حمو رابي قمة الابداعي الانساني والحضاري وما تركته البشرية من اثر عظيم سيبقى ملهما للإنسانية في اقامة العدالة الاجتماعية وفرض منطق القانون
وتبنيه بعيدا عن منطق الغاب ولجعل حياتنا اكثر يسرا وأمان وحتى في بناء الدولة العراقية المعاصرة لم يكن القضاء بمعزل عن تطلعات الناس في الركون اليه والاحتماء به والمحافظة عليه وتطويره بما يتناسب والمرحلة الزمنية التي نعيشها وكان هاجسا يتغلغل في كل ما يفكرون ويعملون فإذا ساد خيمت العدالة بين الناس وإذا تشرذم وقمع اصبح المواطن والوطن عرضة للتغيرات والمشاكل التي تخلق وضعا سلبيا غير صحي والحقيقة ان القضاء في زمن النظام السابق هتك وسلب معناه بعد ان جير لصالح النظام وترسيخ عقيدته الشوفينية فكان حريا ان يغير ويعدل في ظل التغيير الذي اصاب العراق ما بعد 2003 لكن التقوقع السياسي وعدم الاستقرار الامني جعل هذا الامر صعب المنال ورغم ذلك عمل المختصون ما بوسعهم لجعل القوانين مواكبة للتطور والحدث الجديد ومحاولة تعديل قوانين الحقبة السابقة ولتسليط الاضواء ومناقشة الموضوع ارتأيت الحوار مع الباحث والقاضي السيد سالم روضان الموسوي قاضٍ في مجلس القضاء الاعلى لكي يبصرنا على اهم المتغيرات والإشكالات القضائية في واقعنا الراهن
س _برأيك ماهي المشاكل والمعضلات التي يعاني منها القضاء في الوقت الحاضر؟
ج ـ المنظومة القضائية في العراق تعد من مكونات الدولة وتأثرت بالظروف التي مر بها العراق منذ تشكيل الدولة العراقية ولغاية الان، لان القضاء يطبق القوانين التي تمثل فلسفة السلطات التي اصدرتها وتراعي مزاجها السياسين وتقلب الاوضاع في العراق من حكم ملكي ثم جمهوري عسكري و بعد ذلك قومي ، يساري ، اسلامي وشمولي، فهذه الانظمة انتجت حزمة من القوانين المتباينة والمتقاطعة احيانا ، الا انها مازالت نافذة ويعمل بها والقاضي ملزم بتطبيقها مع كل ما فيها من سلبيات وهذه تعد من التحديات التي تواجه القضاء في اعتماد الوسيلة تجاه تحقيق العدالة ، كذلك يعاني القضاء في العراق كما يعاني مثله في بلدان العالم الثالث من تحديات تهدد استقلاليته ولجملة اسباب منها انعدام الثقافة القانونية والقضائية مما يؤدي الى سيادة الجهل في هذا الجانب، بين العامة مثلما هو سائد حتى لدى من يملك مفاتيح السلطة، وهذا الجهل يمنح هؤلاء منفذ للتأثير على القضاء ولنا في الحقبة الماضية امثلة كثيرة منها تدخل السلطات ابان النظام السابق في ايجاد محاكم خاصة وإلغاء بعض الاحكام القضائية، واليوم وبعد التحولات الزلزالية في العراق بعد عام 2003 تجد اكثر اهل الجهل يتعدى على القضاء مدعيا انه يملك السلطة في ذلك، والمثال القائم الان تدخل اللجان البرلمانية في العمل القضائي بمناسبة ترشيح رئيس مجلس النواب وتجاوزاته على صلاحيات المجلس بسبب الجهل في الاحكام القانونية التي تنظم العملية التشريعية او بقصد التدخل في عمل المؤسسة القضائية، كذلك سوء التعليم في العراق ادى الى مخرجات غير متمكنة من ادواتها العلمية تجاه القانون وتردي هذا الوضع انعكس بظلاله على وصول اشخاص الى العمل القضائي او العاملين في المجالات القانونية لا يملكون المعرفة القانونية او القضائية ، مما ادى الى اعطاء نتائج سلبية تؤثر في استقلالية القاضي قبل استقلال القضاء لان القاضي او القانوني غير المحصن بالعلم والمعرفة القضائية يشكل خاصرة رخوة في الجسم القضائي.
س_لقد خلف النظام السابق حزمة من القوانين حول مختلف ألقضايا ما هو حجم التعديل الذي اصابها لتلائم المرحلة الحالية ؟
ج ـ القوانين السائدة والنافذه حاليا تمثل كما هائلا من التناقضات لأنها تمثل اتجاهات فلسفية وفكرية متباينة ونجد ان النظام السابق اصدر عشرات الالاف من القوانين والقرارات التي لها قوة القانون التي كانت تسعى بجملها لتكريس السلطة وإضعاف الشعب من خلال تجريم كل افعاله التي منحتها له القوانين الطبيعية والدولية ومنها حق التعبير وحق الحياة وغيرها فضلا عن المركزية الادارية في ادارة مفاصل الدولة، وهذه التشريعات التي مازالت نافذة اصبحت معرقل كبير في طريق نهضة البلاد لأنها تتقاطع مع الاحكام الدستورية التي وردت في دستور عام 2005 لذلك فان الحاجة قائمة الى تغير هذه القوانين على وفق ما ينسجم والمبادئ الدستورية الجديدة إلا ان عطاء ونتاج السلطة التشريعية التي تمتلك حق التشريع الحصري، يكاد لا يشكل نسبة تذكر وما صدر منها اعتراه الخلل في الصياغة التشريعية او كان يمثل سلسلة امتيازات شخصية على حساب الحاجة العامة للمواطنين ومن ذلك نحن بحاجة الى ثورة في التشريع بالاتجاه النوعي والكمي .
س _لماذا لا يطبق حكم الاعدام ضد عتاة المجرمين بعيدا عن المزاج السياسي الشخصي ومنظمات حقوق الانسان التي ترى المشكلة بعين حولاء وان طبق فيكون بخجل وببطأ في حين نحتاج لتطبيقه بكثافة على كل شخص مدان به لتنقية المجتمع من الشرور المحدقة به؟
ج ـ عقوبة الاعدام مازالت قائمة ويطبقها القضاء العراقي على وفق الاحكام الواردة في القوانين العقابية النافذة وصدرت عشرات الاحكام بالإعدام ضد من ثبتت ادانته بعد ان مر قرار الحكم فيه بأكثر من طريق من طرق الطعن لدى ثلاث او اربع هيئات قضائية، إلا ان الخلل يكمن في تنفيذ هذه الاحكام التي اصبحت من مسؤولية السلطة التنفيذية بعد ان يصدر مرسوم جمهوري في تنفيذها، وارى ان سبب التلكؤ في التنفيذ هو ضعف الاداء السياسي والتجاذبات بين القوى السياسية وقوة التدخل الخارجي في العمل السياسي ، لان من يرعى الارهاب يعمل وبكل قوة على الغاء او تعطيل هذه الاحكام لأنها تمثل ادانه له وإضعاف لقدرته في التدخل، مما يدعوه الى تحريك المنظمات الدولية تجاه عقوبة الاعدام معتمدا على تقديم تقارير مزيفة بمعرفة اشخاص من داخل المنظومة السياسية في العراق .
س _ما مدى استقلال القضاء حاليا بعيدا عن الـتأثيرات السياسية وما هو مستقبل العدالة في العراق؟
ج ـ يعد القضاء من أهم الثوابت الاجتماعية والسياسية وواجب احترامه واحترام استقلاله التزام على الجميع بموجب القواعد الدستورية والأخلاقية ، فضلا عن الالتزام بتوفير كل السبل من اجل دعم هذه ألاستقلالية ليس لأنه مفصل من مفاصل تكوين الدولة بوصفه السلطة الثالثة، وإنما لكونه حق يتعلق بالإنسان ، فهو من حقوق الإنسان ألأساسية التي أقرتها الشرائع السماوية والوضعية بما فيها الشرعة الدولية لحقوق الإنسان . وفي الآونة الأخيرة، عندما احتدم الصراع السياسي بين أطراف العملية السياسية في العراق، اخذ الجميع يتعرض إلى القضاء بين من يوحي إلى أن القضاء متناغم مع تطلعاته ويخلق التصور في ذهن المواطن انه تحت عباءته ويجير عمله الحيادي إلى جانبه وبين مشكك في استقلاله ويساير خصمه في خلق الصورة عن عدم الاستقلال في ذهن المواطن، الا ان الاصل في القضاء ان يكون مستقلا مثلما يكون القاضي ايضا مستقل داخل المؤسسة القضائية ودعم هذا الاستقلال بحاجة الى عدة مقومات منها الاستقلال المالي والاداري والدعم الشعبي وتنفيذ الاحكام، الا ان الاوضاع التي مر بها العراق نجد ان هذه المقومات الداعمة لاستقلالية القضاء تواجه قوة ممانعة كبيرة من بقية السلطات ومحاولة جذب القضاء تجاه مزاجها السياسي او النفعي وتسعى السلطات القضائية جاهدة في تحصين هذه الاستقلالية بكل الوسائل المتاحة ومن بينها ما قامت به خلال الفترة التي تلت الحصول على استقلالها من السلطة التنفيذية وبجهاد كبير من القائمين على السلطة في حينها واخص بالذكر معالي الاستاذ مدحت المحمود، اذ دأبت على تحصين القاضي ماديا وتأهيله علميا من خلال الدورات الداخلية او الابتعاث الخارجي للإطلاع على تجارب الدول المتقدمة وكذلك من خلال احكام المحكمة الاتحادية العليا التي قضت الحكم بعدم دستورية بعض القوانين التي كانت تسلب السلطة القضائية بعض من اختصاصاتها لمصلحة السلطة التنفيذية، الا ان السعي للتدخل في عمل السلطة القضائية سوف لن ينتهي من بقية السلطات والأشخاص لان القضاء المستقل هو ضمانة المواطن تجاه خرق السلطة التنفيذية لحقوقه التي تتمدد حيثما تجد لها مسربا وتتغول على حساب بقية السلطات ويمثل استقلال القضاء العائق الاكبر في وجه تغولها على حساب حقوق المواطن .
س _ماهي ابرز النقاط الخلافية في الواقع السياسي والتي تشكل عقبة في طريق القضاء ؟
اهم ما يعاني منه العراق هو انعدام روح المواطنة لدى من يتولى قيادة البلد وتجد الاغلب الاعم منهم يعمل بفؤية سواء المذهبية الطائفية او العرقية او حتى النفعية، وهذه تؤدي الى توجيه مسار العمل التشريعي والسياسي تجاه غاياتهم التي تتقاطع كليا أحيانا، مما يؤدي الى تعطيل آلية التشريع وهذا التعطيل هو حرمان المواطن من ممارسة حقوقه التي كفلها الدستور الجديد لعام 2005 ، مما انعكس سلبا على اداء سائر السلطات ومنها القضاء اذ يسعى المواطن لممارسة حقوقه السياسية والاقتصادية والاجتماعية، إلا انه يصطدم بقوانين كانت من نتاج الانظمة الشمولية السابقة ويكون حينها متهما بارتكاب جريمة وليس للقضاء الا ان يطبق القانون وينتقل الجهد من حماية المواطن الى معاقبته مما يؤدي الى نفور الجماهير عن المطالبة بحقوقها ورضوخها لأهواء ومزاج السياسيين ويشكل طعنا في القضاء لأنه الوجه الذي يلاقي المواطن عند تطبيق القانون
س _هناك طبقة تنمو وتستفحل بفضل افة الفساد وهناك فروق خيالية في الرواتب بين المسئول والمواطن إلا يوجد تشريع يكبح تطلعات السياسيين الشخصية في انتاج فوانيين تتكيف مع مصالحهم ؟
ج ـ في علم الصياغة التشريعية قول ماثور جاء فيه ((القانون السيئ هو اسوء انواع الطغيان)) لان القانون اذا ما شرع للجريمة وللفاسد الحماية فانه اسهم كثيرا في صناعة الاجرام ومنها الفساد والإرهاب، لذلك ان الفساد في العراق له حواضن تشريعية، بمعنى وجود قوانين تحميه وتشرع له السبل التي يسلكها، وبما ان الفرق في الرواتب بين طبقات المجتمع يشكل فساد وتقاطع مع مبدأ المساوات إلا انها جاءت في ظل تشريع اصدره مجلس النواب مخالفا لأكثر من نص دستوري في دستور عام 2005 وهذه القوانين تمثل مرآة يرى من خلالها المواطن ما يدور في خلد المشرع العراقي، ووجد فيها الانتهازية والنفعية والسلطوية، لذلك لا ارى املا في ايجاد قانون يحارب الفساد بتقليل هذه الفوارق في الرواتب لان من يشرع القانون هو المنتفع الذي لم يراع المزاج العام وتطلعات الشارع العراقي، واجد من الضروري اللجوء الى القضاء الدستوري للطعن في هذه القوانين والحكم بعدم دستوريتها فضلا عن الضغط الجماهيري الذي يشكل قوة فاعلة تجاه العملية السياسية في العراق .
س _هناك محاولات للحكومة العراقية لحجب منظومة الاتصالات كالانترنيت او القنوات الفضائية او التنصت على المكالمات الهاتفية ماهي المشروعية القضائية في ذلك؟
ج ـ الحق في التعبير عن الرأي من الحقوق التي كفلتها المواثيق الدولية فضلا عن دستور العراق لعام 2005 وأي حجب او منع لهذه الحقوق يشكل خرقا دستوريا يمكن التصدي له بالطعن الدستوري امام القضاء الدستوري، ومن خلال المشاركة في ورش العمل التي نظمت لمناقشة مشاريع القوانين التي تتعلق بوسائل الاتصال وهي ادوات التعبير عن الرأي والفكر، وجدت ان من يكتب هذه القوانين يكتبها بعقلية رجل الامن المتسلط وليس بعقلية المدافع عن حقوق الانسان، مما ادى الى انتاج مشاريع تعاقب الانسان على مجرد التفكير، لكن بفضل الضغط الجماهيري ادى الى تراجع هذه العقلية امام حاجة الناس الى حماية حقوقها في التعبير عن الرأي . اما عن التدخل في خصوصيات المواطن فان القانون النافذ لا يسمح لأي جهة كانت بالتصنت او استراق المكالمة الهاتفية او الدخول على الشبكة الدولية وانما اعطى الحق الى القضاء بعد ان يقدم له طلب ويجد القاضي ان ذلك من اجراءات التحري عن الجريمة وكشفها حصرا ولا يمارس إلا باضيق نطاق .
_ما تأثير الفساد على منظومة القوانين والقضاء عموما وهل بالإمكان سن قوانين تحد من هذه الافة الخطيرة ؟
الفساد ظاهرة ملازمة للبشرية منذ الخليقة ولا تنتهي حتى قيام الساعة والنشور، ومن طباع البشر التي جبل عليها إنكار الحق والميل نحو التسلط والتملك والاستحواذ والظلم والاعتداء، وبما أن الفساد ظاهرة فان أسباب نشوءها متعددة منها أخلاقية وسياسية واجتماعية واقتصادية ... وغيرها ، كذلك انعكس على أنواعه منه الفساد الإداري ،المالي ، الأخلاقي ، الثقافي، والبيئي وسواه الكثير . ولكن كل الأسباب المختلفة والأنواع المتعددة توحدت في النتيجة الواحدة المتمثلة بتهديم التكوين البنيوي للمجتمعات والإضرار بالإنسان والمنافع التي هيئها الخالق عز وجل له من ارض وسماء وماء وما احتوت عليها، الا إن مهام مجلس النواب العراقي تكاد تميزه عن سواه من أقرانه ، باتجاه مكافحة الفساد الإداري من خلال إصدار التشريعات اللازمة او تعديل القائم منها كما أشرت إلى آلية إصدار القوانين التي تسهم أحيانا في نشر الفساد واكرر المناشدة بان ينهض المجلس بمهمته في مكافحة الفساد الإداري والمالي وان يعضده دور مؤسسات المجتمع المدني، وذلك من خلال تغلغلها في كافة القطاعات سواء كانت اقتصادية اجتماعية، علمية، فنية، وغيرها، وبواسطة هذه المنظمات يمكن أغناء مجلس النواب من خلال مناقشة كل فئة للقوانين التي تتعامل مع أنشطتها وتقييمها و مدى تطابقها مع الغايات العامة التي تهدف إلى النهوض بالمجتمع العراقي الجديد ومؤشرات الفساد فيها .
احمد جبار غرب