" واختر للحكم بين الناس أفضل رعيتك في نفسك ممن لا تضيق به الأمور ولا تمُحكه الخصوم
ولا يتمادى في الزلة
ولا يحصر من الفيء إلى الحق إذا عرفه
ولا تشرف نفسه على طمع
ولا يكتفي بأدنى فهم دون أقصاه
وأوقفهم في الشبهات
وأخذهم بالحجج
واقلهم تبرماً بمراجعة الخصم
وأصبرهم على تكشف الأمور
واصرمهم عند اتضاح الحكم ".
من وصية الخليفة علي بن أبي طالب
إلى مالك الاشتر حين ولاه على مصر
الإهداء
إلى القاضي المستقل .....
المؤمن باستقلاله كعقيدة راسخة في ضميره ووجدانه
لا تقبل المساومة أو الجدل
المدافع عن استقلاله كالذي يصد هجوماً على عقيدته
يصل درجة الثورة والعنف
اهدي هذا الجهد المتواضع
القاضي
حسن فؤاد منعم
المقدمة
1. القضاء هو الجهة التي تختص بالفصل في المنازعات بمقتضى القانون سواء كانت هذه المنازعات واقعة بين الافراد او بينهم وبين الحكومة واعطاء الحقوق لاصحابها . ويسلم الفكر القانوني الحديث بأن القضاء سلطة مستقلة عن السلطات الاخرى في الدولة ، وليس مجرد وظيفة عامة تتولاها المحاكم استناداً لمبدأ الفصل بين السلطات الذي يقضي بتقسيم وظائف الدولة واناطة كل وظيفة الى سلطة معينة ؛ لان طبيعة العمل القضائي المتمثل بالفصل في المنازعات بين الافراد بتطبيق القانون تقتضي ان لا تمارس هذا العمل سوى سلطة محايدة ومستقلة عن سلطات الدولة كافة، تتميز بتشكيلات خاصة وتطبق اجراءات معينة لا يشاركها في ذلك أي سلطة او جهة اخرى بهدف ضمان بسط سلطان القانون في المجتمع واعطائه دوراً ايجابياً في المحافظة على قيمه ومثله السامية . وقد اقرّ دستور جمهورية العراق لسنة 2005 اعتبار القضاء سلطة مستقلة عن السلطتين التشريعية والتنفيذية ، وليس مجرد وظيفة من الوظائف العامة تتولاها الحكومة بوساطة المحاكم ، اذ نصت المادة (87) من الدستور على ان " السلطة القضائية مستقلة تتولاها المحاكم على اختلاف انواعها ودرجاتها وتصدر احكامها وفقاً للقانون " .
واعتبار القضاء سلطة مستقلة لا مجرد مرفق عام تتولى الحكومة ادارته عن طريق المحاكم يترتب عليه ان القاضي لا يعتبر مجرد موظف يؤدي خدمة عامة انما يعتبر عضواً في سلطة مستقلة يقوم بدور هام هو ما تمنحه اياه قوانين هذه السلطة من وظائف خطيرة في الفصل بالمنازعات بين الافراد وبينهم وبين الحكومة .
لاسيما في ظل التطور المتسارع للحياة واتساع مجالاتها وتعقد مشكلاتها مما زاد في خطورة مهمة القضاء وفرض على القاضي وان كان مبدأ فصل السلطات لا يجيز له التشريع ممارسة جزء من هذه السلطة عن طريق تفسير القوانين وإكمال النقص فيها ، واستنباط قواعد وتطبيقات لا تنص عليها القوانين الوضعية النافذة ، وذلك من اجل ايجاد الحلول الملائمة للمستجدات التي لا سوابق لها في النص والاجتهاد .
فالمركز الوظيفي للقاضي يتميز عندما يكون عضواً في سلطة مستقلة عنه فيما اذا كان مجرد موظف في مرفق عام تديره الحكومة بعدم خضوعه للنظام القانوني للوظيفة العامة الذي يخضع له سائر الموظفين ، اذ يتحرر كثيراً من مظاهر الخضوع للسلطة الرئاسية التي يتميز بها المركز الوظيفي للموظف العام من ناحية التعيين او النقل او الترفيع او التأديب او الخضوع للتعليمات الادارية .
كما لا يكون للسلطة التشريعية الحق في تحديد وظائف القضاء واختصاصاته فلا تستطيع القوانين التي تصدرها هذه السلطة ان تمنع القضاء من حق النظر في منازعات معينة ، فاذا اصدرت السلطة التشريعية قانوناً يحد من اختصاص القضاء في نظر المنازعات كان ذلك اعتداء على سلطة القضاء ومصادرة حق القاضي وهو ما لا تملكه السلطة التشريعية لانه مخالف لاحكام الدستور ، ولا يجوز للسلطة التنفيذية ان تشكل جهات قضائية اخرى تمارس عمل القضاء ، فعندما يكون القضاء سلطة مستقلة اقتصرت الوظيفة القضائية عليها ، فالسلطة القضائية هي وحدها صاحبة الاختصاص الاصيل في الفصل بالمنازعات كافة بين جميع الاشخاص في الدولة فضلاً عن ان اعتبار القضاء سلطة يعد ضماناً اساسياً للحقوق والحريات العامة لان السلطة هي التي تمنع التدخل وتصد الهيمنة والنفوذ على وظائفها واختصاصاتها من أي جهة كانت مما يؤدي الى حماية الحقوق والحريات ([1]).
2. ان صلاح القضاء لا يزال المشكلة الكبرى لما له من اثر في حقوق الافراد والجماعات ، فالقضاء الصالح لا يكون الا بصلاح القائمين عليه وعلى شؤونه ووعيهم الى وجوب ان يتحلى القضاة بالعقل والحكمة والمعرفة والنزاهة ، وايجاد الوسائل المادية والمعنوية الكفيلة بتأمين هذه المبادئ .
وتكريس سلطة القاضي على اساس استقلاليته المادية والمهنية ومنحه الوسائل العصرية المطلوبة والضرورية لتنمية معارفه وتطوير مداركه ، فضلاً عن تأمين الوسائل الكفيلة بايصال الناس الى طلب العدالة من دون عوائق والى تنفيذ الاحكام بكفاءة وجدارة ومن دون ان يكون لاي سلطة الحق في منع تنفيذ احكام القضاء وقراراته او ايقافها .
ان القضاء العادل والصالح والكفوء كان ولا يزال مطلب جميع الانظمة والدول مع تفاوت امكانياتها واستعدادها لمنحه الكفاءة والاستقلال فقد وعت المجتمعات الجديدة ضرورة الارتقاء بالقضاء الى مرتبة السلطة الحقيقية الفعالة وتأمين الكفاءات والامكانيات المادية والمعنوية ووسائل العمل له من اجل تطوير هذه المجتمعات انسانياً واقتصادياً وتلافي اللجوء الى العدالة البديلة والارتقاء الى مستوى الاقتصاد الاستثماري الآمن الفعال([2]).
3. ان ما آل اليه وضع القضاء في العراق بعد احداث 9/4/2003 وسقوط النظام السابق من استقلال تام عن السلطة التنفيذية واعادة تشكيل مجلس القضاء بموجب الامر 35 لسنة 2003 ليتولى ادارة شؤون القضاء كافة والتي كانت تتولاها وزارة العدل التابعة للسلطة التنفيذية مما انعكس على تبعية القضاء لهذه السلطة في ذلك الوقت .
وصدور دستور جمهورية العراق لسنة 2005 والذي اعتبر القضاء سلطة مستقلة تمارس صلاحياتها واختصاصاتها باستقلال كامل عن السلطتين التشريعية والتنفيذية على وفق مبدأ الفصل بين السلطات الذي اقره الدستور وشكلت السلطة القضائية مع السلطتين المذكورتين السلطات الثلاث الاساسية التي ارتكز عليها النظام السياسي والقانوني للدولة العراقية الجديدة .
مما يستدعي وجود قانون للسلطة القضائية ينظم عملها وعمل تشكيلاتها المتعددة التي اوجدها الدستور في ظل اختلاف وتناقض الاحكام القانونية المتعلقة بعمل تلك السلطة وادارة شؤون اعضائها المتناثرة في عدد من القوانين والقرارات منها ما صدر في زمن النظام السابق ولا زال نافذاً ، ولم يعد يواكب حركة التحولات الكبيرة التي شهدها العراق في المجالات كافة سياسية واجتماعية واقتصادية وفي نظام الحكم .
4. ان ما تعرض له القضاة في العراق ولا يزالون من اعتداءات بالتهديد والتهجير القسري من مناطقهم والقتل ، إذ استشهد عدد غير قليل منهم ، فضلاً عن اصابة البعض الآخر بأضرار جسدية اثرت في قدرته على العمل ، وذلك بسبب اداء واجباتهم القضائية في ظل الصراعات السياسية والحزبية والمذهبية التي عصفت بالبلاد خلال الفترة الماضية .
وما تتعرض له المؤسسة القضائية عموماً من هجمة اعلامية شرسة ومتواصلة عن طريق وسائل الاعلام المختلفة مرئية ومسموعة ومقروءة تنفذها جهات سياسية وحزبية متنفذة لاسباب مختلفة تتصل في اغلبها بالعمل القضائي ، مما يشكل خرقاً واضحاً لاستقلال السلطة القضائية وتدخلاً فاضحاً في شؤون القضاء بقصد التأثير والضغط على القضاة ترهيباً مرة وترغيباً مرة اخرى على امل اصدار احكامهم على وفق هوى تلك الجهات .
مما يفرض على الدولة التزام اخلاقي وقانوني يتمثل بتوفير الحماية اللازمة للقضاة وعوائلهم من تلك التهديدات والاعتداءات لكي يتمكنوا من اداء رسالتهم في تحقيق العدل وانصاف المظلوم وحماية الحقوق والحريات ، وايصال الحقوق الى اصحابها في جوٍ من الامن والاستقرار ، وبما يعزز استقلالهم وحريتهم في اصدار الاحكام في المنازعات المعروضة عليهم مهما كان اطرافها ، ومن دون ضغط او تأثير من أي جهة ، وفي الوقت نفسه ضمان الاحترام والتقدير الادبي لهم بما يحفظ هيبة وكرامة القضاء .
5.ان غياب الوعي بأهمية وخطورة الدور الذي يضطلع به القاضي في حماية الحقوق والحريات لدى افراد المجتمع العراقي عموماً ورجال السياسة والقانون والادارة في الدولة على وجه الخصوص وعدم الفهم الحقيقي لجوهر المركز القانوني للقاضي ضمن الهيكل الوظيفي للدولة وانه عضو في سلطة مستقلة وليس مجرد موظف في مرفق عام .
مما ادى الى التطاول على قداسة المنصب القضائي والمساس بهيبة وكرامة القضاء ، والتشكيك بنزاهته وعدالته من دون ادلة قانونية معتبرة . وعدم احترام احكامه والاعتداء على القضاة بالتهديد والقتل والضرب وغيرها ، ويجب ان نعترف بأن تصرفات وسلوك قسم من القضاة داخل وخارج محيط العمل ساهم في كل ذلك ، مما يتطلب التعريف بالمركز الوظيفي للقاضي لكي يتم من خلاله استيعاب الدور المهم والخطير للقاضي في اقامة العدل وحماية الحقوق والحريات في المجتمع .
مما دفعنا الى اختيار هذا الموضوع مادة للبحث والدراسة مع قلة البحوث والدراسات التي كتبها الزملاء القضاة فيما يتعلق بالمركز الوظيفي للقاضي اذ تركزت معظم البحوث في هذا الجانب على استقلال السلطة القضائية عن السلطتين التشريعية والتنفيذية .
وإذ ان طموحنا وطموح قضاة العراق ان يكون هناك قانون للسلطة القضائية يواكب التحولات الديمقراطية في العراق الجديد ويستوعب التطورات التي شهدتها قوانين السلطة القضائية في دول العالم ينظم عمل السلطة التي ينتمون اليها ، ويتولى تنظيم ادارة شؤونهم كافة ويؤمن لهم حقوقهم وواجباتهم ويكفل حيادهم واستقلالهم ويوفر لهم الضمانات الحقيقية التي تمكنهم من اداء واجباتهم من دون تدخل السلطات او الجهات الاخرى في الدولة .
وفي الوقت نفسه ان تكون هناك ادارة للقضاء مستقلة وقوية تستطيع ان توقف أي تدخل بعمل السلطة القضائية وان تمنع أي اعتداء على صلاحيتها واختصاصاتها وان تحمي اعضاءها وتوفر لهم حياة مادية ومعنوية كريمة وان تصد أي انتهاك لاستقلال القضاة وحريتهم في اتخاذ القرارات اللازمة لاداء الواجبات القضائية .
لذا فان هذه الدراسة هي محاولة متواضعة وصادقة لايجاد نموذج يمكن الاستفادة منه عند وضع قانون للسلطة القضائية يلبي طموحات قضاة العراق والقائمين على شؤون القضاء .
ان البحث في المركز الوظيفي للقاضي يقتضي ان نتكلم عن حقوق القاضي والواجبات الملقاة على عاتقه وسيكون هذا موضوع الفصل الاول وفي مبحثين ، خصصنا الاول للكلام عن حقوق القاضي ونتناول في المبحث الثاني واجباته .
اما الفصل الثاني فسوف نتولى الكلام فيه عن ادارة القضاء والنظام الاداري للقضاة وفي مبحثين ايضاً ، الاول خصصناه للكلام عن ادارة القضاء والثاني نوضح فيه النظام الاداري الذي يخضع له القاضي . ونتكلم في الفصل الثالث عن ضمانات القاضي في الحياد والمساءلة المدنية والجزائية والتأديبية وفي مبحثين ، نتولى في المبحث الاول توضيح ضمانات حياد القاضي ، ونتكلم في البحث الثاني عن ضمانات مساءلته ، وفي خاتمة البحث سوف نبين النتائج والمقترحات التي توصلنا اليها ن خلال دراستنا والتي نأمل ان تساهم في حل جزء من المشكلات والمعوقات التي تعترض العمل القضائي .
والله ولي التوفيق
الباحث
الفصل الاول
حقوق وواجبات القاضي
تقتضي طبيعة العمل الذي يقوم به القاضي والمتمثل بالفصل في الخصومات والسلطة التي خولها اياه القانون لممارسة عمله على الوجه الاكمل وما تنطوي عليه تلك السلطة في الواقع العملي من خطورة واهمية كونها تمس مباشرة حقوق وحريات الافراد وما تتركه من تأثير في المجتمع سلباً او ايجاباً في حالة انحرافها عن مسارها القانوني الصحيح أوبقائها ضمن ذلك المسار لا تحيد عنه ، فضلاً عما يتمتع به القضاء من هيبة وقدسية في نفوس ووجدان الناس بصورة عامة .
وانطلاقاً من مبدأ ضمان حيادية القاضي في اداء عمله وحماية استقلاله والمحافظة على نزاهته وعدالة ما يصدره من احكام وقرارات وعدم انحرافه في سلوكه سواء في محيط عمله او خارجه ، فقد حرصت غالبية الدول في تشريعاتها على ان تقرر للقاضي حقوق وامتيازات تختلف عما تقرره لباقي موظفيها .
واننا اذ نقدم حقوق القاضي على الواجبات التي ينبغي التزامه بها فإن ذلك لا يعني اهمالنا للواجبات الملقاة على عاتق القاضي وعدم التأكيد على اهميتها ، ولكن الانصاف يستلزم ان نوفر للقاضي حقوقه باعتباره عضو في السلطة القضائية واهمية هذه السلطة في بناء الدولة الديمقراطية التي تنشدها المجتمعات كافة وعلى اقل تقدير اسوة بما يتم اقراره لاعضاء السلطتين التشريعية والتنفيذية من حقوق وامتيازات لكي نستطيع بعد ذلك ان نحاسب القاضي على مخالفته لواجباته اذ من غير المنطقي ان لا نوفر للقاضي حقوقه كاملة ونكون اشداء في محاسبته مع التاكيد على حاجة الدولة لان يبقى قضاتها اقوياء متعافون مادياً ومعنوياً لكي يساهموا مساهمة حقيقية وفاعلة في بناء مؤسساتها القضائية والتشريعية التنفيذية .
وسنتولى في هذا الفصل وفي مبحثين بيان الحقوق التي ينبغي ان توفرها الدولة للقضاة واهم الواجبات التي يتعين عليهم الالتزام بها .
المبحث الاول
حقوق القاضي
تلتزم الدولة بأن توفر للقاضي الحقوق والامتيازات التي تمكنه من اداء عمله ، وينبغي عليها وهي بصدد تقرير حقوق القاضي وامتيازاته ان يكون رائدها الرغبة الاكيدة والصادقة في ان تكفل للقاضي حياة مادية كريمة واحترام وتقدير ادبي يحفظان له هيبته ويصان بهما استقلاله وبما ينسجم وطبيعة عمله وخطورته وكونه عضواً في السلطة القضائية والتي هي مظهر من مظاهر سيادة الدولة يتعين عليها ان لا تفرط فيه . ولكن ماهي هذه الحقوق والامتيازات التي يجب ان يتمتع بها القضاة وتميزهم عن غيرهم من موظفي الدولة ؟ الاجابة على هذا التساؤل سيكون موضوع دراستنا في هذا المبحث وبالفقرات الآتية :
أولاً – راتب القاضي :
يستحق القاضي اسوة بموظفي الدولة الآخرين راتباً مقابل العمل الذي يؤديه كما يستحق راتباً تقاعدياً في نهاية خدمته القضائية واحالته الى التقاعد لاي سبب كان.
إلاّ ان طريقة تحديد راتب القاضي اثناء الخدمة وعند الاحالة الى التقاعد تختلف عن الطريقة التي يتم بها تحديد رواتب موظفي الدولة الآخرين لما يتمتع به القاضي من خصوصية بهذا الشأن تفرضها طبيعة العمل القضائي الذي يضطلع به .
اذ يجب ان يتولى مجلس القضاء من دون السلطة التنفيذية او التشريعية وضع ميزانية السلطة القضائية وتحديد رواتب القضاة بجميع درجاتهم واصنافهم وعلى وفق جدول يلحق بقانون السلطة القضائية ، ويجب ان لا تخضع رواتب القضاة الى الضرائب ، وذلك من اجل ضمان استقلال القضاء ولا يجوز ان يقرر لاحد من القضاة راتب بصفة شخصية ، ولا ان يعامل معاملة استثنائية بأية صورة .
واذا استقال القاضي من عمله فلا يترتب على هذه الاستقالة سقوط حقه في الراتب التقاعدي او مكافأة نهاية الخدمة استثناءً من احكام قوانين التقاعد المدنية .
وفي جميع حالات انتهاء الخدمة القضائية يجب تسوية الراتب التقاعدي للقاضي ومكافأة نهاية الخدمة على اساس آخر راتب كان يتقاضاه أو اخر راتب للوظيفة التي كان يشغلها ايهما اصلح له([3]) .
ويتعين على الدولة ان تقرر للقاضي راتباً مرتفعا يتناسب واهمية وخطورة المنصب الذي يتولاه وجسامة المهمة الملقاة على كاهله ، وبما يضمن استقلاله ونزاهته ويؤمن اشباع حاجاته وحاجات اسرته المعاشية الضرورية ويحفظ به هيبته ويصون كرامته ويكون له حصناً منيعاً في مواجهة الاغراءات التي قد يتعرض لها خلال ممارسة عمله .
ويشمل راتب القاضي المخصصات القضائية ومخصصات النقل والسكن والرعاية الصحية والخدمات الاخرى ان لم تكن الدولة تقدمها له عيناً . كما ان أي عمل يكلف به القاضي خارج ولايته الاصلية والتي تتعلق بالفصل في الخصومات يجب ان يتقاضى عنه اجراً او تعويضاً يتناسب وحجم العمل المكلف به يحدده مجلس القضاء ، اذ لا يجوز تكليف القاضي باي عمل خارج ولايته من دون مقابل .
وانطلاقاً من حاجة المجتمع لعمل القاضي وتقديراً لخطورة الدور الذي يضطلع به وحساسية منصبه ، واذ ان الواقع العملي يشهد ان الحوافز المادية تؤثر في اداء القاضي سلباً أوايجاباً ورعاية من الدولة لمصالحه نجد ان الدولة الاسلامية وفي مختلف عصورها قد اهتمت براتب القاضي وجعلته ضمن مهامها الاساسية بغية تحسين مستواه المعاشي ، إذ حددت راتباً مجزياً للقاضي وبما يؤدي الى اشباع حاجاته المادية وحاجات اسرته حتى لا يشعر بالضعف بسبب العوز المادي ، وبما يدفع به الى الانحراف عن السلوك الصحيح ، إذ ارادته قاضياً قوياً مؤمناً بعدالة دولته كي يستطيع تحقيق العدالة للآخرين ، فقد كان راتب (شريحاً القاضي) في عهد الخليفة عمر بن الخطاب مائة درهم شهرياً ، فاصبح في عهد الخليفة علي بن ابي طالب خمسمائة درهم شهرياً ما يدل على مدى رعاية الدولة الاسلامية للقاضي وحرصها على كفايته مادياً([4]).
وتسعى غالبية الدول الى ان تكون رواتب قضاتها عالية جداً ، بل الاعلى في سلم رواتب العاملين فيها ، وتحرص على ان توفر لهم الدعم المادي والمعنوي ، وافضل الخدمات بما يؤمن حياة معاشية كريمة لهم ولعوائلهم في ظل الظروف الاقتصادية الدولية المعقدة والصعبة التي يشهدها العالم المعاصر ، ويأتي ذلك تأكيداً لما يتمتع به مرفق القضاء من اهمية على الصعيدين الاجتماي والانساني ، وكونه في الواقع يمثل يد السلطة في بسط العدل وفرض حكم القانون بين الناس داخل المجتمع([5]).
ثانياً – تحقيق أو تأمين الاحترام والتقدير الادبي للقاضي :
لا يكفي ان تكفل الدولة حياة مادية كريمة للقاضي انما يقتضي ان تكفل له في الوقت نفسه الاحترام والتقدير الادبي الذي يليق بكرامة وهيبة مهنة القضاء ودور القاضي في المجتمع ، والمشرع لم يضع نصاً عاماً يكرس هذه القاعدة ، إلا انه نص على بعض تطبيقاتها ، فالمادة (225) بفقرتها الثانية من قانون العقوبات العراقي رقم (111) لسنة 1969 المعدل تعاقب على اهانة المحاكم بإحدى طرق العلانية والمادة (229) منه تعاقب على اهانة وتهديد أية محكمة قضائية او ادارية اثناء تأدية واجباتها أو بسبب ذلك ، في حين عاقبت المادة (230) منه كل شخص يعتدي على محكمة قضائية او ادارية اثناء تأدية واجباتها او بسبب ذلك ، وشددت العقوبة اذا رافق فعل الاعتداء الذي وقع على القاضي جرح او اذى .
واحترام القاضي يمنع من التشهير به بسبب قضائه وبأي صورة من الصور كالنشر في الصحف والمجلات او بوسائل الاعلام المرئية والمسموعة ، ولا يجوز للخصوم الاساءة للقاضي او الطعن بنزاهته بحجة استخدام حق الدفاع([6]) .
ولا يقتصر واجب تقديم الاحترام والتقدير الادبي للقاضي على الافراد وحدهم انما تلتزم بهذا الواجب في الوقت نفسه مؤسسات الحكومة كافة في تعاملها مع القاضي وبما يحفظ كرامته وهيبته ويعزز استقلاله .
فالقاضي لا يخضع للحكومة عند قيامه بواجباته ولا يتلقى منها التعليمات والاوامر كما هو الحال بالموظفين الاخرين ، ولهذا يتعين على الحكومة والمؤسسات التابعة لها ان تخاطبه بعبارات لائقة من الناحية الادبية ولا تتنافى وكرامة القضاء ولا تمس استقلاله ، فان تعاملت معه بخلاف ذلك وخاطبته بعبارات افتقرت الى ادنى مقومات اللياقة الادبية في التخاطب مع القضاة وغير لائقة ومنافية لكرامة القضاء وتمثل تدخلاً في مهام عمله كقاضي فإن ذلك يشكل اعتداء على المركز الاجتماعي للقاضي واساءة له ، مما يجعل تلك الجهة الحكومية مسؤولة عن تعويض القاضي عن الضرر الذي اصابه على وفق احكام المادتين (204) و (205) من القانون المدني([7])
وتلتزم الدولة في هذا الاطار بتحديد موقع القاضي برتوكولياً في المناسبات الرسمية وبما يتلائم ومكانة القضاء الرفيعة وان ينظم ذلك بقانون ، كما ويتعين على المسؤولين في السلطة القضائية وقبل غيرهم التعامل مع القاضي باحترام وتقدير يحفظ كرامته امام المتخاصمين (افراداً ومؤسسات حكومية) ويعزز ثقته بنفسه ويرفع مكانته في المجتمع ويصون استقلاله من التأثيرات والتدخلات الخارجية ومهما كان مصدرها ، وان يتم التعامل مع جميع القضاة على اسس من العدل والمساواة في الحقوق والواجبات وعدم التمييز بين قاضٍ وآخر الا على وفق معايير موضوعية وعلمية وليس بناءاً على اعتبارات ومصالح شخصية ، ونورد على سبيل المثال بعضاً من مظاهر الاحترام والتقدير الادبي للقاضي في رحاب السلطة القضائية التي ينتمون اليها .
1. اللقاءات الخاصة (الاجتماعات والندوات والدورات) التي تقتضيها طبيعة العمل:
تقتضي طبيعة العمل في المحاكم ان تكون هناك لقاءات بين القاضي والمسؤولين في السلطة القضائية سواء في مجلس القضاء او رئاسة محكمة الاستئناف التي يتبعها القاضي لمناقشة بعض الامور منها ما يتعلق بمصلحة القاضي ومنها ما يتعلق بمصلحة العمل ، وعلى المسؤول ان يدرك اهمية مثل هذه اللقاءات والكيفية التي تتم بها وما تتركه من اثر في نفس القاضي ينعكس سلباً او ايجاباً على ادائه في المحاكم التي يعمل فيها .
والواقع ان ابسط حقوق القاضي المعنوية في هذا المجال ان يتعامل معه المسؤول عند اللقاء به بطريقة تدل على الاحترام والتقدير الادبي له وان لا يقلل من شأنه وشأن عمله في نظر الاخرين حتى وان ارتكب بعض الاخطاء اثناء ممارسة عمله ذلك ان المشرع حدد الطرق القانونية لمعالجة اخطاء القاضي ومحاسبته عليها .
وعلى المسؤول ان يضع في حسبانه دائماً وابداً انه انما يتعامل مع قاضٍ وزميل له في العمل الا ان سنوات خدمته الطويلة وما تحصل عليه من خبرة خلالها هي التي جعلت منه رئيساً او مسؤولاً للقاضي وليس اعتبارات اخرى ، وسنرى ونلمس النتائج الطيبة التي ستثمر عنها مثل هذه اللقاءات اذا تمت بهذه الطريقة .
2.المحاكم المختصة بنظر الطعون :
ان من ابسط حقوق القاضي المعنوية ان تتعامل معه المحاكم المختصة بنظر الطعون القانونية بطريقة تؤسس لاحترام متبادل ، وفي الوقت نفسه تدل على مدى تقدير المحكمة الاعلى للقاضي سواء عند نقض الحكم الذي اصدره او تصديقه وان تكون طبيعة القرارات التي تصدر من المحاكم الاعلى مهنية صرفة تتناول موضوع النزاع ولا تنال من شخص القاضي وتكون غايتها بناءة وموجهة ترشده الى الخطأ في تطبيق القانون مع بيان الوجهة السليمة في تطبيقه فإذا ما ارتكب القاضي خطأ قانونياً اجرائياً او موضوعياً يستوجب نقض الحكم الذي اصدره فإنه ينبغي على المحكمة المختصة بنظر الطعن التماس العذر له وان ترشده الى الخطأ الذي وقع فيه وما يستوجب عليه القيام به من اجل اصلاحه ، وان تستخدم في سبيل ذلك اسلوباً علمياً وقانونياً رصيناً بعيداً عن عبارات ازدراء القاضي والتهكم به والتقليل من شأنه وشأن ما توصل اليه من نتائج .
وفي حالة تصديق حكمه فيتعين الثناء على ما قام به من جهد وحُسن ادراك وفهم للوقائع المعروضة والقانون الواجب التطبيق والذي اوصله الى الحكم الصائب .
ونعتقد ان التعامل مع القاضي بهذا الاسلوب والذي ينطوي على احساس الاب نحو أبنائه عند المحاسبة على الخطأ والمكافأة على الصواب سيؤدي بالتأكيد الى دفع القاضي للابداع ودعمه وتشجيعه لتقديم الافضل وتلافي الوقوع في الاخطاء مستقبلاً ويكون له اثره في بناء شخصية القاضي بناء سليماً ورصيناً .
3. الاشراف القضائي :
من حقوق القاضي المعنوية التأدب معه ومع موظفيه كما ينبغي ان يفعله القاضي مع الخصوم سواء بسواء ، ولا فرق في ذلك لذا يتعين على القائمين على الاشراف القضائي اختيار الشخص الذي يتمتع بأخلاق عالية ومن المشهود لهم بالكفاءة والنزاهة والاستقامة ومن ذوي الخبرة الواسعة في مجال عمله والاقدمية في المنصب او الصنف اذا كان بمنصب او صنف واحد مع القاضي للتحقيق في قضية يكون القاضي طرفاً فيها أو عندما يتولى الاشراف على اعماله .
وانطلاقاً من هذا المبدأ يتوجب على المشرف القضائي ان لا يتعامل مع القاضي على اساس انه متهم حتى تثبت براءته وانه هدف لمرماه ، كما هو عليه الواقع انما يتعامل معه في اقل تقدير على وفق المبدأ السائد " ان المتهم برئ حتى تثبت ادانته" ، لا سيما وان القاضي يتمتع بالحصانة من المساءلة الا ضمن الحدود التي رسمها القانون وبالكيفية التي حددها ، وبهذا الشأن يجب ان يحاط القاضي علماً بكل ما يودع في اضبارته الشخصية من ملاحظات او اوراق اخرى كي يتمكن من الدفاع عن نفسه .
وعلى المشرف وهو يتولى مهمة الاشراف على اعمال القاضي ان لا يأتي مشحوناً بالانفعالات محملاً بالتوجيهات في طلب العثرات واستنباط الزلات ولو عن طريق اغراء او تهديد القاضي او موظفيه لعله يدرك شيئاً فينفخ فيه لتضخيمه ، انما يجب على المشرف القضائي ان يقع على الحسنة في عمل القاضي كما يقع النحل على الازهار ويشيد بما يراه من تميز ويلتمس الحلول لما قد يرى من قصور في عمله([8]) لاجل ان يبقى القاضي قاضياً وليس موظفاً عادياً .
4. المشاركة في اعداد مسودة القرارات والقوانين التي تتعلق بالسلطة القضائية:
تسعى الكثير من المؤسسات الحكومية في مختلف دول العالم في سبيل تطوير عملها الى استطلاع اراء موظفيها للوقوف على اقتراحات ذوي الاختصاص في المناطق المختلفة ، ومن مجموع تلك الاقتراحات مضافاً اليها الخبرات العالية والتجارب الطويلة للمسؤولين يمكن صياغة القرارات وابتداع الانظمة المناسبة والتي تجمع الكثير من المزايا وفي الوقت نفسه تخلو من الكثير من الاخطاء .
ومن اجل تطوير العمل في المحاكم واداء العاملين فيها نعتقد انه من الضروري ان يشارك المسؤولين في السلطة القضائية القضاء في ارائهم وافكارهم بشأن القرارات والقوانين التي تتعلق بشؤونهم وشؤون العدالة قبل رفعها الى السلطة التشريعية لاصدار تشريع بها ، لما في هذا الاسلوب من تعزيز ثقة القضاة بأنفسهم وامكانياتهم وتأكيداً للثقة والاحترام اللذين ينبغي ان يسودان بين القضاة والمسؤولين في السلطة القضائية واعترافاً من هذه السلطة بقدرة وقابلية القضاة في صنع التغيير المنشود في حركة العدالة ضمن المجتمع الذي يعيشون فيه ، لاسيما في بلد اقرّ دستوره الجديد مبدأ الفصل بين السلطات واصبح القضاء فيه يتمتع بالاستقلال الكامل عن السلطتين التشريعية والتنفيذية ما يقتضي تشريع قوانين جديدة تتعلق بالسلطة القضائية مما يتطلب مشاركة القضاة بآرائهم وافكارهم في مشاريع هذه القوانين لكي يكون لهم الدور الرئيسي في صنع مستقبلهم ومستقبل المؤسسة التي تمثلهم .
لان ذلك في الواقع يمثل حقاً من الحقوق المعنوية للقضاة وينطوي في الوقت نفسه على تقدير لمكانتهم الادبية في الدولة لاسيما ان القضاة على اطلاع ودراية بالصعوبات والمعوقات التي تعترض عملهم القضائي وبهذا يكونون اقدر من غيرهم على وضع الحلول المناسبة لتلك الصعوبات والمعوقات كونها تدخل في صميم عملهم وبناءً عليه ينبغي ان لا يصدر أي تشريع يتعلق بالسلطة القاضية من دون مشاركة القضاة في ارائهم ومقترحاتهم بشأنه والا سيكون ناقصاً لا يستجيب الى طموحاتهم .
ثالثاً- حرية التعبير وابداء الرأي وتكوين الجمعيات :
يتمتع القضاة بالحق في تكوين الجمعيات او المنظمات التي تمثل مصالحهم وتسعى للنهوض بتدريبهم المهني وتحمي استقلالهم واستقلال السلطة القضائية .
كما لهم الحق بالانضمام الى تلك الجمعيات او المنظمات وهذا الحق معترف ومعمول به على نطاق واسع في النظم الديمقراطية ، وللقضاة شأنهم في ذلك شأن أي فرد آخر في المجتمع الحق في التعبير والاعتقاد والتجمع بشرط ان يسلك القضاة دائماً في ممارستهم لهذه الحقوق مسلكاً يحافظ على هيبة ووقار المنصب القضائي ويضمن نزاهة واستقلال السلطة القضائية([9]).
وللقاضي ان يشارك في النشاطات الخاصة بشرط ان لا تثير الشكوك حول نزاهته وينبغي له تنظيم تلك النشاطات من اجل تقليل مخاطر تعارضها مع وقته وواجباته القضائية .
رابعاً- ادوات عمل القاضي :
يحتاج القاضي للقيام بعمله على الوجه الاكمل ان يطلع على المراجع القانونية والتي تتضمن اراء الفقه واجتهادات القضاء في العراق والدول العربية والاجنبية فضلاً عما يحتاج اليه من مراجع في الفقه الاسلامي وعلوم اللغة والمراجع الحقوقية والثقافية المتنوعة للاستعانة بها في حل المسائل التي ينظرها ، وتوسيع مداركه وتنشيط ذاكرته بين الفترة والاخرى ، وتنمية مواهبه وقدراته وتعزيز ثقافته القانونية والمعرفية في المجالات كافة .
ولهذا يتعين على الدولة كأحد واجباتها تجاه القضاة ان توفر لهم مكتبة في كل محكمة تحتوي على تلك المراجع لكي يتمكنوا من الوصول اليها بسهولة ويسر ومن دون عناء او بذل اية مشقة او الانفاق على شرائها من رواتبهم لتساعدهم في حسم القضايا المعروضة عليهم ضمن السقوف الزمنية المحددة بموجب القانون وتطوير اداءهم بصورة مستمرة ، إذ ان القاضي ملزم بالفصل في القضايا التي تعرض عليه ، حتى وان لم يجد نصاً في القانون يحكم الحالة المعروضة مما يتوجب عليه القراءة والبحث بصورة متواصلة بغية تطوير ادائه والاطلاع على تجارب الاخرين والتواصل معهم في مجال عمله ومن واجب الدولة مساعدته في ذلك .
كما يحتاج القاضي في ضوء التطور التكنولوجي والمعلوماتي الذي يشهده العالم من حولنا والذي اصبح السمة المميزة للعصر الذي نحيا فيه ، ان تؤمن له الدولة جهاز حاسوب واشتراك في الانترنيت لكي يبقى على صلة دائمة بكل ما هو جديد في مجال البحث القانوني والقضائي ويمكنه من الوصول الى المعلومة القانونية بسرعة تواكب تسارع تطورها وتجددها المستمر يوماً بعد اخر ، وكذلك التواصل مع زملائه القضاة داخل العراق واقرانه في الخارج .
واذا كان القاضي لا يتقن التعامل مع جهاز الحاسوب او الانترنيت فهو بحاجة الى ان تساهم الدولة في تدريبه بادخاله دورات متخصصة في استخدامات الحاسوب المتنوعة.
وبضمن هذا الاطار وفي سبيل نشر الثقافة القانونية والقضائية بين القضاة ومساعدتهم في حسم القضايا التي تعرض عليهم واصدار الاحكام العادلة فيها . ونشر الوعي القانوني بين المواطنين في مجال المطالبة بحقوقهم امام المحاكم ينبغي ان تسعى السلطة القضائية لاصدار المجموعات والدوريات القانونية والتي تحتوي على الاحكام القضائية الصادرة من المحكمة الاتحادية العليا ومحكمة التمييز الاتحادية ومحاكم الاستئناف بصفة تمييزية ، فضلاً عن البحوث القانونية التي يكتبها القضاة وسواهم من الباحثين العاملين في الحقلين القانوني والقضائي لكي تكون في متناول الجميع وتوزع على القضاة من دون مقابل .
خامساً- مباني المحاكم وصيانتها :
مبنى المحكمة هو المقر المهيأ للقضاء والفصل بالخصومات وتطبيق القوانين الاجرائية والموضوعية ، ويضم الى جانب القضاة واعضاء الادعاء العام الموظفين العاملين في المحكمة من معاونين قضائيين ومحاسبين وكتبة ومبلغين قضائيين وموزعي بريد وغيرهم ، فضلاً عن المحامين والذين تخصص لهم غرفة في كل محكمة تتناسب واعدادهم واهمية وحجم العمل في المحكمة .
ويعد انشاء مباني المحاكم من اهم واجبات الدولة تجاه القضاء وهي ركن اساسي في تكوين المرفق القضائي وصحة احكام القضاة مما يقتضي توفير الاعتمادات المالية اللازمة لتشييد مباني المحاكم في جميع المدن والمحافظات وعلى وفق خطة مدروسة ونموذج هندسي موحد يضفي الجلال والمهابة عليها في نفوس المتقاضين ويحفظ مكانة القضاء الرفيعة وكرامة القضاة بين الناس ويبسط قداسة كلمته على الاحكام التي يصدرها ن كما يلزم توفير الاعتمادات المالية اللازمة لصيانة المباني وبصورة دورية ومستمرة .
وينبغي مراعاة ان تتسع تلك المباني للعاملين في المحكمة من القضاة واعضاء الادعاء العام والموظفين وان تخصص غرفة مستقلة ومناسبة للمحامين الذين يمارسون اعمالهم اليومية امام المحكمة ، مع الاخذ بنظر الاعتبار اعداد المراجعين الذين يراجعون المحكمة لانجاز معاملاتهم فيها وتهيئة الوسائل الضرورية لراحتهم خلال فترة مكوثهم في المحكمة .
وان يتم تأثيث مباني المحاكم وتوفير وسائل العمل الحديثة ، على ان يكون الاثاث نمطياً محققاً للغرض ومسهلاً لسير العمل ، وان لا تتميز محكمة عن اخرى وقاضٍ عن آخر بهذا الشأن .
وان يشتمل الاثاث على وسائل الحفظ التقليدية والحديثة معاً لحفظ اضابير الدعاوى المنظورة والتي تم حسمها ، وحتى مرور المدة القانونية الواجبة لاتلافها ، مع اعتماد نظام مناسب للمعلومات وتزويد المحاكم بالسجلات والدفاتر والوثائق القضائية على وفق النماذج المعتمدة من مجلس القضاء ، والتي لا مجال للاجتهاد في تصميمها وطباعتها بما تحتويه من شكل ومواصفات وبيانات وانواع مع ضبط سلامة توزيعها بحسب الاحتياجات الحقيقية وسلامة استخدامها .
وفي السياق نفسه يقتضي تنظيم وضبط العمل الاداري والكتابي في المحاكم بهدف تأمين سلامته وتوحيده ، والقيد بالسجلات وطريقة تنظيمه وضمان توحيده نظراً لاهمية ذلك في تسهيل اعمال الاشراف القضائي والمالي والمحاسبي وحفظ سندات الخصوم من الضياع والتلاعب .
واعتماد هيكل تنظيمي للعمل الاداري والكتابي للمحاكم على اختلاف درجاتها واصدار تعليمات بهذا الشأن تكفل حسن تنظيم العمل في المحاكم ، وتحديد ووصف الوظائف الكتابية والادارية في المحاكم بهدف ضبط الاختصاصات وتحديد الشروط الواجب توافرها في شاغل هذه الوظائف وتهيأة كادر اداري متخصص في مجال ادارة المحاكم للتخفيف من عبء ادارة المحاكم عن كاهل القضاة من اجل التفرغ لممارسة عملهم الاصلي المتمثل بالفصل في الخصومات .
مما يقتضي اعداد دراسة شاملة للقوى العاملة الكتابية والادارية في المحاكم وتصنيفها بحسب مؤهلاتها وقدراتها وتحديد العجز القائم في ضوء نتائج تلك الدراسة وما توصلت اليه من احتياجات وظيفية ، والعمل على توفير القوى العاملة المطلوبة بصورة مدروسة وتحديد الاحتياجات التدريبية للكتبة والمبلغين وموظفي الجهاز الاداري في المحاكم وادخالهم في دورات تدريبية من اجل رفع مستوى الكفاءة والاداء لديهم ، والاهتمام بالاحصاء القضائي وتطويره والاستفادة من نتائجه في اعمال الاشراف القضائي والمالي والاداري وفي التخطيط السليم لانشاء المحاكم وتوزيع العمل القضائي داخل كل محكمة ، وفي نطاقها وعلى مستوى المحافظات ، والعمل على اعداد ميزانية السلطة القضائية بوصفها ميزانية محاكم بأن تكون هناك ميزانية مستقلة لكل محكمة في اطار ميزانية لرئاسة الاستئناف على مستوى المحافظات([10]).
سادساً – الاجازة الدراسية :
يستحق القاضي اجازة دراسية خارج العراق او داخله وبراتب تام للتخصص في موضوع له علاقة بالاختصاصات القضائية والعدلية والحصول على شهادة الماجستير او الدكتوراه ، وعلى وفق شروط يحددها قانون السلطة القضائية .
وذلك من اجل تطوير كفاءته واكتساب الخبرات الاكاديمية الى جانب ما يمتلكه من خبرات عملية بهدف صقل موهبته وتوسيع نطاق معرفته القانونية والقضائية . وتعد هذه الاجازة خدمة قضائية ويمنح القاضي الذي يحصل على شهادة الماجستير او الدكتوراه قدماً لغرض الترفيع والعلاوة([11]) .
سابعاً- العطلة القضائية :
وهي استراحة للقاضي بعد عناء عام كامل من العمل جهد فيه بتطبيق القوانين سعياً وراء احقاق الحق وارساء دعامة العدل وانزال حكم القانون على المنازعات التي نظرها خلال ذلك العام .
والعطلة القضائية ضرورة قصوى للقاضي بهدف تحسين ادائه بالتخفيف من تراكم العمل عن كاهله ، ولهذا نجد ان اغلب الدول قد اقرت بتشريعاتها المتعلقة بالقضاء العطلة القضائية للقضاة ، اعترافاً منها بأهمية ايجاد الظروف المناسبة لسير العمل في مرفق القضاء وضمان حسن اداء القضاة ، وتعد العطلة القضائية التي تصادف في كل الدول غالباً من الاول من شهر تموز الى اليوم الثلاثين من شهر ايلول من كل سنة اجازة سنوية لاغلب العاملين في المحاكم من قضاة وموظفين ومساعدي القضاة من المحامين والخبراء وغيرهم اذ تؤجل القضايا كافة الى ما بعد انتهاء العطلة([12]).
والعطلة القضائية لا تؤدي حتماً الى تعطيل العدالة وعمل المحاكم في الدولة كما قد يتصور البعض ، وذلك لان المحاكم تبقى مفتوحة في وجه المواطنين والمتقاضين ضمن اطار مبدأ استمرارية المرفق العام .
اذ يستمر نظر القضايا الجزائية التي يكون المتهمين موقوفين فيها خلال العطلة ضماناً للمحاكمة العادلة ، ويستمر النظر ايضاً بالدعاوى المستعجلة على وفق بيان يصدره مجلس القضاء يُعين القضايا المستعجلة التي تستمر المحاكم بنظرها اثناء العطلة القضائية وهذا يتطلب ان تكون هناك موازنة عادلة بين حق القاضي في التمتع بالعطلة القضائية وبين حقوق المواطنين في اللجوء الى القضاء من دون التفريط بحق احد على حساب الاخر([13]).
ثامناً- عدم التمييز بين القضاة :
احد اهم الحقوق التي اقرتها الامم المتحدة للقضاة هو عدم التمييز بينهم لأي سبب كان سواء الجنس او اللون او العرق او القومية او الاصل او الدين او المذهب او المعتقد او الرأي او الحالة الاقتصادية او الاجتماعية للبعض منهم أو على اساس العمل في اماكن معينة في الدولة اصطلح على تسميتها (بالمهمة) او (الحساسة) انما يجب ان يكون المعيار الوحيد للتمييز بين القضاة هو الكفاءة والنزاهة والخبرة([14]).
ولهذا يتعين على الدولة ان لا تعامل أي فئة من القضاة معاملة استثنائية من دون اقرانهم في الدرجة نفسها ، وان تضع ضوابط ملزمة تمنع التمييز بين القضاة بكافة اشكاله باستثناء الكفاءة والنزاهة والخبرة المكتسبة خلال سنوات العمل في الخدمة القضائية .
وتلتزم الدولة في الوقت نفسه بأن تمنح الفرص المتكافئة لجميع القضاة من دون التمييز للحصول على المعلومة والتطور المهني والاطلاع على التجارب القضائية لدول العالم المختلفة كلما امكن ذلك .
كما لا يجوز التمييز بين القضاة بروتوكولياً على اساس الصنف او المنصب في غير ما يخص العمل القضائي([15]).
ونعتقد ان انتهاج الدولة ومؤسساتها المختلفة اسلوب التمييز بين القضاة سوف يخلق حالة من اليأس والاحباط لدى القضاة لاسيما اولئك الذين يتمتعون بالكفاءة والاقدمية والخبرة الطويلة في العمل القضائي ولهذا نجد انه من الضروري ان يضع المشرع قواعد ملزمة للسلطات الثلاث والمؤسسات التابعة لها تمنع التمييز بين القضاة إلا على اساس الكفاءة والنزاهة وسنوات الخدمة الطويلة وان تكون هناك معايير موضوعية تتحكم في منح الحقوق والامتيازات للقضاة مادياً ومعنوياً ، وكذلك عند توليهم المناصب القضائية .
تاسعاً- حماية القضاة :
تلتزم الدولة ان تحمي قضاتها مما قد يتعرضون اليه من التهديدات والتهجمات والسب والقذف ضمن مقتضيات القانون الجنائي والقوانين الخاصة الجاري العمل بها.
وتضمن لهم زيادة على ذلك عند الاقتضاء طبقاً للنصوص القانونية النافذة تعويضاً عن الاضرار التي يمكن ان تلحق بهم اثناء مباشرة مهامهم أو بسبب القيام بها ، وذلك في غير حالات تعويضهم التي ينص عليها التشريع الخاص بهم وتحل الدولة في هذه الحالة محل القاضي المتضرر في حقوقه ودعاويه ضد المتسبب بالضرر([16]) .
المبحث الثاني
واجبات القاضي
كما ان للقاضي حقوقاً تلتزم الدولة بتوفيرها له ، فإن عليه مقابل ذلك واجبات ينبغي ان يلتزم بها اقتضتها جسامة المسؤولية التي يحملها على كاهله وحسن سير العدالة وحماية حياد القضاء وضمان استقلاله والمحافظة على هيبته وكرامته .
ومن هذه الواجبات ما يرتبط بعمله داخل المحكمة ومنها ما يتصل بحياته الخاصة ونشاطه خارج المحكمة ، فضلاً عن الواجبات التي يقتضي التزام القاضي بها تجاه زملائه من القضاة وتجاه الموظفين الذين يعملون تحت اشرافه ، اذ ان ولاية القضاء تتطلب واجبات وصفات تتصل بشخص القاضي وسلوكه في المجتمع ، فلا يمكن الفصل بين وظيفة القاضي وحياته الخاصة لانه يمثل العدالة القضائية لما لها من هيبة يجب ان تبقى مصانة دائماً([17]).
والواقع ان واجبات القاضي تحيا في ضميره ووجدانه كقيم ومبادئ وتقاليد واعراف تشكل في مجموعها موروثاً اخلاقياً وادبياً وثقافياً تتوارثه الاجيال القضائية جيلاً بعد جيل ولا يستطيع أي قاضي الخروج عنها او مخالفتها مهما كانت الاسباب ، فالقاضي يلتزم بها وان لم ينص عليها القانون .
وهذا هو ما يميز القاضي عن غيره من موظفي الدولة ، فإذا كان القاضي شأنه شأن أي موظف عام يلتزم بالقيام باعباء وظيفته وعلى رأسها التزامه بالفصل في القضايا المعروضة عليه متى ما كانت صالحة لذلك ، والاجابة على طلبات الخصوم المقدمة اليه على عرائض والا كان ممتنعاً عن احقاق الحق([18]).
الا ان الامر لا يقف عند ذلك انما يقع على عاتقه كما تقدم واجبات خاصة تتصل بشخصيته وسلوكه في المجتمع الذي يحيا فيه ، ومن هنا كانت واجبات القاضي مختلفة في طبيعتها عن الواجبات التي يقتضي ان يلتزم بها موظفي الدولة الاخرين ، فالخطأ الذي يترتب على مخالفة القاضي لواجباته يمتد اثره الى المجتمع بأسره ولا يقتصر على فرد معين بخلاف الخطأ الذي يرتكبه الموظف العادي لما تحمله وظيفة القاضي من قداسة في نفوس الناس وما ينطوي عليه احترام تلك الواجبات والعمل بها من صيانة لهيبة القضاء والحفاظ على كرامته وتعزيز استقلاله امام السلطات الاخرى في الدولة .
وواجبات القاضي في اغلبها تتعلق بهيبة وكرامة القضاء ولا تتعلق بالقرارات والاحكام التي يصدرها القاضي عند الفصل في المنازعات المعروضة عليه اذ ان تلك الاحكام والقرارات تخضع للطعن بها بالطرق التي حددها القانون .
ونتناول في الفقرات الاتية اهم الواجبات التي يجب على القاضي الالتزام بها وعدم مخالفتها اثناء خدمته القضائية .
اولاً – المحافظة على كرامة القضاء والابتعاد عن كل سلوك يبعث الريبة في استقامته وتجنب القيام باي عمل لا يأتلف ومكانة القضاء([19]) :
وهذا الواجب في الواقع مرتبط بطبيعة العمل الذي يقوم به القاضي وسمو ورفعة رسالة القضاء ، وثقل الامانة التي ينوء بحملها وخطورة مهمته والتي توجب عليه ان يتمتع بسلوك حسن واحساس مرهف فضلاً عن النزاهة والحيادية والاستقلال في الرأي والموضوعية في التفكير وهذه صفات تهدف الى المحافظة على كرامة وظيفة القضاء .
ومن هذا المنطلق لا يجوز للقاضي قبول هدية من احد المحامين او من أي شخص اخر له او لافراد اسرته ، ولا يجوز له مناقشة الخصوم او المحامين خارج الجلسة في الدعوى التي ينظرها ، وقبل صدور الحكم فيها([20]). كما لا يجوز للقاضي سماع اقوال احد الخصوم بعد انتهاء جلسة المرافعة وبغياب الخصم الاخر .
ويندرج ضمن هذا الواجب ان يمارس القاضي مهامه القضائية بصورة مستقلة على اساس تقديره لوقائع النزاع المعروض عليه ، وعلى وفق فهمه ووعيه للقانون الواجب التطبيق ، ومن دون اية تأثيرات خارجية او اغراءات او ضغوط او تهديدات او تدخل مباشر او غير مباشر من أي جهة ولاي سبب كان ، وان يؤدي واجباته من دون تحيز او انحياز او تحامل ، وان يعزز بسلوكه داخل وخارج المحكمة ثقة عامة الناس والخصوم بنزاهة وعدالة القضاء والنظام القضائي .
وعلى القاضي ان يكون منضبطاً في سلوكه اثناء جلسات المرافعة وان يمتنع عن الادلاء بأية اراء او تعليقات تخص الدعاوى التي ينظرها ولم يصدر بها حكم حاسم ، إذ ان من شأن ذلك ان يؤدي الى الاضرار بالعدالة وحسن سير المحاكمة .
ويتوجب على القاضي ان لا يستعمل او يستغل منصبه القضائي لتعزيز مصالحه الشخصية او مصالح احد افراد عائلة . وان يحرص دائماً على المساواة في تعامله مع الجميع امام المحكمة والامتناع عن استغلال الوظيفة لتحقيق منفعة او ربح شخصي له أو لغيره وان يحافظ على كرامة مهنته والابتعاد عن كل ما يمس بالاحترام اللازم لها اثناء وخارج اوقات الدوام والمحافظة على اموال الدولة وحقوق المتخاصمين .
وعلى القاضي ان يشجع من خلال عمله وسلوكه داخل وخارج المحكمة على تحقيق المقاييس العالية للسلوك القضائي وبما يؤدي الى تدعيم وتعزيز ثقة الناس بالسلطة القضائية .
ولهذا يتعين على القاضي ان يتجنب قلة الاحتشام والمواقف التي تثير الشبهات على نحو معقول او تبدو وكأنها تتسم بالتحيز او عدم الحياد فلا يجوز للقاضي ارتياد الاماكن المشبوهة او اقامة علاقات مع اشخاص غير مرغوب بهم وان يكون مستقلاً عن زملائه فيما يتعلق بالقرارات التي يلتزم باتخاذها بالدعاوى التي يتولى الفصل فيها.
ولكن هذا لا يمنع من ان تكون هناك مناقشات ومداولات بين القضاة لتبادل الاراء والافكار بغية الوصول الى الحكم القانوني الاقرب الى تحقيق العدالة عند تطبيق القانون([21]).
ثانياً- كتمان الامور والمعلومات والوثائق :
يلتزم القاضي بكتمان الامور والمعلومات والوثائق التي يطلع عليها بحكم وظيفته اذا كانت سرية بطبيعتها او يُخشى من افشائها ان يلحق الضرر بالدولة او الاشخاص ، ويظل هذا الواجب قائماً حتى بعد انتهاء خدمته([22]) .
اذ يطلع القاضي بحكم عمله القضائي على امور واسرار منها ما يتعلق بالمصلحة العامة للدولة كالاسرار العسكرية والاقتصادية والسياسية والتي قد تحتويها بعض القضايا التي ينظرها سواء المدنية او الجزائية ومنها ما يتعلق بمصلحة الافراد وحياتهم الخاصة ، لاسيما قضايا الاحوال الشخصية وفي الحالتين يلتزم القاضي بعدم افشاء هذه الاسرار ويبقى هذا الالتزام قائماً حتى بعد انتهاء خدمته الوظيفية([23]).
ويزول هذا الالتزام اذا فقد الموضوع سريته ، او صار معروفاً بطبيعته أو تم الغاء الامر الذي فرض السرية او سمحت السلطات المختصة بافشاء السر او اذن صاحبه بافشائه او اذا كان من شأن اذاعة السر منع ارتكاب جريمة .
والاساس القانوني في التزام القاضي بعدم افشاء الاسرار وكتمان الامور التي يطلع عليها يتمثل في حماية المصلحة العامة للدولة من جهة وحماية المصلحة الخاصة للافراد من جهة اخرى ، ولهذا يتوجب على القاضي ان يحرص على ملفات القضايا التي تحت يده وعدم تسليمها الى أي شخص الا اذا كان مسؤولاً وكلفه القانون الاطلاع عليها .
كما يتوجب على القاضي ان يحافظ على تلك الملفات من الفقدان والضياع والتلف ، إذ ان ذلك يشكل احدى متطلبات حماية اسرار الافراد وتحقيق مصلحة العدالة ويؤدي بالنتيجة الى المحافظة على استقلال القضاء وحياديته وصيانة كرامته وتقديس احكامه في نظر المجتمع .
ويترتب على مخالفة القاضي لواجب كتمان الامور والمعلومات والوثائق التي يطلع عليها ، فضلاً عن المسؤولية التأديبية تعرضه للمسؤولية الجنائية اذ يشكل افشاء اسرار الوظيفة جريمة يعاقب عليها القانون الجنائي([24]) .
ثالثاً- عدم مزاولة التجارة او أي عمل لا يتفق ووظيفة القضاء([25]) :
فالقاضي ممنوع من مزاولة التجارة او أي عمل اخر لا يتفق وكرامة القضاء ، فلا يجوز له ان يكون شريكاً لتاجر بالخفاء ، او ان يعمل مستشاراً لدى احدى الشركات التجارية او لدى احد التجار ، كما لا يجوز له اصدار الفتاوى([26]).
والعلة في فرض هذا الالتزام على القاضي هي حماية مصلحة العمل القضائي والتي تقتضي ان يتفرغ القاضي الى مهام عمله بالكامل ، كما ان انشغاله بعمل خاص قد يؤدي الى قيام علاقة بينه وبين اصحاب العمل مما يؤثر على استقلاله وحياديته في العمل ، وكذلك رغبة المشرع في الحفاظ على كرامة القاضي وابعاده عما يقلل من هيبته لدى الناس ، ولهذا منعه من مزاولة الاعمال التي لا تتفق واستقلال القضاء وكرامته . واذا ما زاول القاضي أي عمل لا يتفق ووظيفة القضاء ففي هذه الحالة يستطيع مجلس القضاء ان يمنعه من مباشرة ذلك العمل([27])، فضلاً عما يشكله من مخالفة تأديبية تؤدي الى مساءلته انضباطياً .
وفي مقابل هذا الالتزام يتعين على الدولة ان تضمن للقاضي مدة خدمة قضائية مناسبة وان تضمن في الوقت نفسه استقلاله وامنه وكفاية راتبه وظروف خدمة تتناسب وخطورة واهمية ما يضطلع به القاضي من مهام جسيمة وعدم جواز تبديل تلك الظروف او تعديلها في غير مصلحته لكي لا يضطر تحت ضغط الحاجة للعمل في مجال اخر غير عمله القضائي يدر عليه ربحاً بقصد تحسين مستواه المعاشي([28]) .
الا ان القاضي وان كان ممنوعاً من القيام بأي عمل من شأنه ايقاف او عرقلة سير العدالة ، او ممارسة اية وظيفة اخرى عامة أو خاصة تدر عليه ربحاً ، فقد اباح له القانون استثناءً القيام ببعض الاعمال خارج اطار العمل القضائي كإلقاء المحاضرات في الندوات العلمية القانونية والقضائية التي تدخل في مجال اختصاصه.
وكذلك القيام بأية وظائف او انشطة ليس من شأنها المساس بكرامة القاضي واستقلاله ، كالتدريس بكليات الحقوق والعلوم القانونية طالما كان لا يتعارض مع اوقات العمل الرسمية ، اما اذا حصل تعارض من هذا القبيل فأنه يتطلب موافقة مجلس القضاء لكي يتمكن القاضي من التفرغ خلال ساعات التدريس ، كما يستطيع القاضي القيام بالاعمال الادبية او الفنية من دون المساس بكرامة القضاء او استقلاله، كتأليف الكتب وطبعها ونشرها .
واذا كان زوج القاضي او احد ابنائه يمارس نشاطاً خاصاً يدر عليه ربحاً وجب على القاضي التصريح بذلك الى رئيس مجلس القضاء لكي يتخذ التدابير اللازمة للحفاظ على استقلال القضاء وكرامة الوظيفة .
وفي السياق نفسه يمنع القانون القاضي من الاشتغال بالسياسة كما يمنع المحاكم من ابداء الاراء السياسية وراعى في ذلك ان النشاط السياسي لا يتلائم وطبيعة العمل في القضاء ، وان السياسة قد تؤدي بالمشتغل بها الى الميل لصالح من يوافقه سياسياً او الجور على حقوق من لا يوافقه او تؤدي على الاقل الى شبهة وجود مثل هذا الميل او الجور ، ولهذا فلا يجوز للقضاة الترشيح للانتخابات البرلمانية او الهيئات الاقليمية او التنظيمات السياسية او اية جمعية ذات طابع سياسي ، الا بعد تقديم استقالتهم من القضاء([29]).
وبناءً عليه لا يجوز للقاضي ابداء الاراء السياسية اثناء ادائه لوظيفته القضائية، كما لا يجوز له خارج اطار عمله ان يعمل بالسياسة ، واذا كان لا يجوز له الترشيح للانتخابات البرلمانية فمن باب اولى لا يجوز له ان يدعو لبرنامج حزبي معين او ان يكون مناصراً لمرشح معين .
الا ان منع القاضي من الاشتغال بالسياسة لا يحرمه من القيام بنشاط نقابي ، كالنشاط في الجمعيات الخاصة بالقضاة ، لان العمل النقابي وان كان ينطوي في بعض الاحيان على العمل في السياسة فأنه يكون مقبولاً لانه يقتصر على المطالبة بحقوق اعضاء النقابة ، والقضاء كأي مهنة لها حقوق ومن حق اعضائها المطالبة بها([30]).
وقد حظرت المادة (98) من دستور جمهورية العراق لسنة 2005 على القاضي الجمع بين الوظيفة القضائية والوظيفة التشريعية والتنفيذية ، او أي عمل آخر، كما حظرت عليه الانتماء الى أي حزب او منظمة سياسية او العمل في أي نشاط سياسي .
وانطلاقاً من هذا المبدأ الدستوري نرى ان القاضي في العراق لا يجوز له الاشتغال بالسياسة او مزاولة أي نشاط سياسي او حزبي او حضور التجمعات الحزبية او السياسية ، وبخلاف ذلك يعرض نفسه للمساءلة القانونية .
كما لا يجوز له الترشيح للانتخابات البرلمانية الا بعد تقديم استقالته من القضاء، والقاضي الذي يصبح عضواً في السلطة التشريعية او التنفيذية يجب ان تزول عنه الصفة القضائية ، ولا يجوز له بعد ذلك مهما كانت التبريرات استخدام هذه الصفة للتعريف بنفسه اثناء ممارسته العمل التشريعي او التنفيذي ، وبخلافه يتوجب مساءلته ، اذ ان هذا يتعارض مع مبدأ استقلال القضاء ، كما لا يجوز اعادته الى العمل في القضاء بعد انتهاء خدمته في الوظيفة التشريعية او التنفيذية صيانة لاستقلال القضاء وحفاظاً على كرامة الوظيفة القضائية .
رابعاُ – الاقامة في مقر العمل :
اوجب المشرع على القاضي ان يقيم في مركز الوحدة الادارية التي فيها مقر عمله ، الا اذا اذن له رئيس مجلس القضاء الاعلى بالاقامة في مكان اخر لظروف يقدرها ، وذلك لان حسن سير العمل القضائي يتطلب اقامة القاضي في مقر عمله مما يساعده على القيام بواجباته من دون مشقة او عناء([31]).
اذ ان انتقال القاضي من محل اقامته الى مقر عمله يومياً اذا كان احدهما بعيداً عن الاخر يأخذ من جهده وحيويته ويستغرق نشاطه الذهني والبدني بالكامل ، والذي عمله اولى به وقد يدفعه الى التفريط بدوام بعض الايام التي يرى ان وصوله فيها الى مقر عمله سيكون متأخراً وملحوظاً .
فضلاً عن ذلك فإن عمل القاضي يتصف في بعض الحالات بالاستعجال مما يقتضي القيام به خارج اوقات الدوام الرسمي ولا يقبل التأخير أو التأجيل كالانتقال لاجراء المعاينة على الاماكن او الاشخاص او تدوين اقوال المصابين او الخصوم او من ترى المحكمة ضرورة الاستماع الى اقواله ويتعذر عليه الحضور امامها لاسباب مشروعة سواء في القضايا المدنية او الجزائية ، وهذا الامر لا يستقيم مع سفر القاضي كل يوم الى حيث يقيم خارج المدينة التي يعمل فيها .
كما يلتزم القاضي في السياق نفسه بأن لا يتغيب عن عمله بغير اذن مسبق من مرجعه ما لم يكن الغياب بسبب قهري ، وعليه الحضور الى مقر عمله ومغادرته في الاوقات المحددة للدوام الرسمي حتى يكون مثالاً للعاملين معه ومدعاة لاحترام الخصوم([32]) .
خامساً – ارتداء الكسوة الخاصة بالقضاة :
ارتبط منصب القاضي في مراحل تطوره التاريخي بالكثير من التقاليد والاعراف العريقة والتي استمدت عراقتها وديمومتها حتى وقتنا الحاضر من قداسة ذلك المنصب في نفوس الناس نتيجة الاعتقاد السائد منذ ازمنة بعيدة من ان ولاية القضاء ذات طبيعة الهية ، اذ ان اول من تولى مهمة الفصل بالخصومات هم الانبياء والمرسلون .
ومن بين تلك التقاليد والاعراف التي ارتبطت بولاية القضاء وتحولت الى الزام قانوني هي ارتداء القضاة ملابس خاصة بهم اثناء ممارستهم العمل القضائي تميزهم عن موظفي الدولة الآخرين .
اذ أوجب المشرع على القاضي ان يرتدي كسوة خاصة به اثناء انعقاد جلسات المرافعة مما يزيد من وقاره ويضفي عليه الهيبة والجلال في نفوس المتقاضين تتناسب وقداسة الرسالة التي يحملها القاضي([33]).
والواقع ان ارتداء القاضي كسوته الخاصة اثناء المرافعة لما فيه من التزام بواجب يفرضه القانون فأنه يشكل جزءً مهماً من جوهر القضاء واحد مستلزمات الثقة بالقاضي ، فالهيبة التي يشعر بها المواطن في رحاب القضاء تعزز قناعته بسيادة القانون وقدسية مبادئ العدل والانصاف التي يجسدها القاضي ، وانه الملاذ الحقيقي لانصافه وهو شعور ان استيقظ في ضمائر الناس وشاع في المجتمع فسوف يخلصه بالتأكيد مما فيه من مساوئ وسلبيات .
ولا يكفي ان يتمتع القاضي بالهيبة والوقار اثناء جلسات المرافعة ، انما يجب ان يكون ذا شخصية تحمل صفات الهيبة والوقار والاحترام خارج جلسات المرافعة كذلك ، ومن مستلزمات هذه الشخصية ان يكون القاضي انيقاً في مظهره وملبسه ، والاناقة لا يقصد بها الاسراف في الزينة ، انما ان نتخير الثياب النظيفة المنسجمة الوانها([34]).
وينبغي ان تتحمل الدولة تكاليف ونفقات الكسوة الخاصة بالقاضي وان تستبدل بين الفترة والاخرى من اجل ان تبقى محتفظة برونقها وبريقها وهيبتها في انظار ونفوس الناس .
سادساً- المحافظة على استقلال القضاء :
نصت المادة (19) من دستور جمهورية العراق لسنة 2005 على ان " القضاء مستقل لا سلطان عليه لغير القانون"([35]). ونصت المادة (88) منه على ان "القضاة مستقلون لا سلطان عليهم في قضائهم لغير القانون ، ولا يجوز لاي سلطة التدخل في القضاء او شؤون العدالة " .
وواضح ان النصين المذكورين تضمنا التزامان الاول تلتزم بموجبه الدولة بسلطاتها كافة عدم التدخل في شؤون القضاء او التأثير على سير العدالة والالتزام الثاني يلتزم بموجبه القضاة ان يحافظوا على استقلالهم وحيادهم التام وعدم السماح لاي جهة حكومية او غير حكومية ومهما كانت التبريرات من ان تتدخل في عملهم ، أو ان تؤثر على سير العدالة([36]).
اذ يتوجب على القاضي القيام بعمله بشكل مستقل تماماً عن سلطات الدولة والهيئات الحكومية الاخرى ، وعدم السماح لاي منها أن تفرض عليه ما يجب ان يقضي به في دعوى ينظرها ، كونه ملزم بالفصل في تلك الدعوى بحرية تامة وعلى وفق ما يتحصل لديه من الوقائع المعروضة امامه وما يقدمه الخصوم من ادلة قانونية، وفي ضوء قواعد ونصوص القانون الاجرائي والموضوعي وما يمليه عليه ضميره ووجدانه بعيداً عن اية مؤثرات او تدخلات خارجية سواء كانت من الحكومة او اقاربه او الخصوم .
واذ نجد ان المشرع يؤكد على اهمية استقلال القضاء بوصفه سلطة مستقلة واستقلال القضاة كأفراد في اداء عملهم وعدم اخضاعهم لغير سلطان القانون والتزام حدوده ، والعمل بأحكامه فأنه في الوقت نفسه يحمي هذا الاستقلال بمنعه سلطات الدولة كافة من التدخل في اعمال القضاة وجرّم الافعال التي من شأنها الاخلال بسير العدالة او التأثير على عمل القضاة والمحاكم وتؤدي الى اهدار كرامة القضاء وانحرافه عن طريق الحق والصواب سواء بالترهيب او الترغيب وسواء صدرت تلك الافعال من الحكومة او الافراد([37]).
والواقع ان قيام القاضي بأداء عمله مستقلاً مطمئناً على منصبه يشكل اكبر ضمانة لحماية حقوق الدولة والافراد على السواء([38]).
والمحافظة على استقلال القضاء تتطلب ان يكون القاضي مستقلاً في اداء عمله داخل السلطة القضائية ، فلا يجوز للقضاة سواء كانوا من صنف واحد أو صنف اعلى التدخل في اعمال بعضهم الآخر ، كما لا يجوز للمسؤولين عن ادارة القضاء التدخل في اعمال القضاة الذين هم تحت ادارتهم إلاّ في حدود ما اجازه القانون من التوجيه والاشراف .
ولا يعد الطعن بأعمال القضاة بموجب الطرق التي حددها القانون للطعن بالاحكام تدخلاً بأعمال القضاة وان كان يقدم الى محكمة اعلى لان الطعن بالحكم لا يكون الا بعد انتهاء العمل القضائي ، إلاّ انه يجب التأكيد على ان لا يتخذ من الطعن بالحكم ذريعة للتدخل في عمل القضاة والتأثير على سير الدعوى او الانتقاص من كرامة القاضي والتقليل من شأن ما توصل اليه من اجتهاد في ضوء فهمه للوقائع وتقديره للادلة المطروحة امامه .
ولا ينبغي لادارة القضاء ان تتخذ من الاشراف على القضاة والنظر بالشكاوى وطلبات نقل الدعاوى المقدمة بحقهم ، وغير ذلك وسيلة قانونية للتدخل في شؤونهم او التأثير عليهم بما يؤدي للحكم لصالح جهة معينة ، واذا كانت المحكمة مشكلة من هيئة فأن كل قاضي يتمتع بالاستقلال نفسه عند التصويت في اصدار الحكم بصرف النظر عن اقدميته([39]).
ويتعين على القاضي حماية استقلاله ذاتياً بأن يؤمن به كعقيدة ثابتة وراسخة في ضميره ووجدانه غير قابلة للمساومة او المجادلة وليس مجرد شعور أو الزام ادبي يقبل الجدل واذا ما حصل اعتداء على استقلاله فانه يدافع عنه دفاع من يصد اضطهاداً وقع على عقيدته يصل الى درجة الثورة والعنف .
والحماية الذاتية لاستقلال القاضي تتطلب وجود فلسفة واضحة لمبدأ استقلال القضاء يؤمن بها القاضي وتترسخ في وجدانه توضح معنى الاستقلال والعناصر التي يقوم عليها ومدى اهميته لتحقيق العدالة وحماية الحريات وما لم توجد هذه الفلسفة انفصل استقلال القضاء عن الممارسة الحقيقية على ارض الواقع واصبح معنى مجرد لا قيمة له ونصوص جامدة لا حياة فيها مكتوبة في متون القوانين .
كما تتطلب وعي القاضي واحساسه بضرورة استقلاله وخطورة منصبه في سبيل تحقيق العدالة وضمان الحريات ، والتي هي وظيفته الاساسية التي نذر نفسه لتحقيقها في المجتمع الذي يحيا فيه ، اذ ان استقلال القضاء لا يمكن ان يوجد لدى القاضي اذا كان لا يعرف معناه ، وليس لديه مفهوم واضح عنه او مواقف محددة تجاه التدخل في شؤون العدالة في القضايا التي ينظرها([40]).
سابعاً- حياد القاضي وعدم تحيزه :
طبيعة العمل القضائي تستلزم من القاضي ان يكون محايداً ومتجرداً عند قيامه بالفصل في الدعاوى المرفوعة اليه ، وبالنسبة لكافة الاجراءات الواجب عليه اتباعها وان يساوي بين الخصوم ولا يفضل احدهم على الاخر .
ويعد مبدأ حياد القاضي احد اهم الركائز التي يستند اليها استقلال القضاء عموماً ، فحياد القاضي وعدم انحيازه او خضوعه لمؤثرات خارجية عند اصدار الحكم في الدعوى التي فصل فيها شرط لازم لاحقاق الحق واقامة العدل بين افراد المجتمع الواحد ومدعاة لاطمئنان الخصوم بعدالة الحكم القضائي فلا عدل من دون حياد ولا حياد من دون استقلال ، ولا قيمة لاحدهما من دون الاخر ، ولهذا فأن مفهوم حياد القاضي يرتبط ارتباطاً وثيقاً باستقلاله ، واحياناً يرتبط المفهومان معاً ويكمل احدهما الاخر ويشكلان وجهان لعملة واحدة .
وحياد القاضي يعني ابتعاده عن التحيز او الميل لاحد الخصوم على حساب خصمه وابتعاده عن الانتماءات والميول السياسية والحزبية والفئوية والمذهبية فتحيز القاضي وتعصبه لجهة معينة يفقده استقلاله ، اذ ان مهمة القاضي الاساسية هي تطبيق القوانين النافذة وصولاً للعدالة المنشودة واحقاقاً للحق وانصافاً للمظلوم من الظالم ، وهذه المهمة الكبيرة والخطيرة ينبغي لها ان لا تتأثر بأية اعتبارات او مؤثرات خارجية([41]) .
ويشهد الواقع انه كلما كان القاضي محايداً ومتجرداً وغير منحاز ولم يتأثر بأي مؤثر خارجي في قضائه كلما كان الخصوم اكثر اطمئناناً بقضائه واقتناعاً بعدالته حتى اولئك الذين قضى في غير صالحهم ، وذلك هو روح القضاء وجوهر العدالة ، اذ الواجب على القاضي ان يراعي جانب الحق في قضائه فلا يميل مع الهوى او يصطف مع من هو اقوى في نفوذه او سلطته والاكثر جاه في ماله وعشيرته([42]).
وبالنظر لاهمية حياد القاضي في العملية القضائية نجد ان المشرع قرر عدم صلاحية القاضي للنظر في الدعوى ، اذا توافرت حالات معينة من شانها ان تؤثر في حياده او يرجح معها ان لا يحكم من دون ميل على وفق ما نصت عليه المواد (91) وما بعدها من قانون المرافعات المدنية رقم 83 لسنة 1969 المعدل ، فضلاً عن ذلك فأنه اذا ثبت ان القاضي قد اصدر حكمه في الدعوى التي نظرها بدافع التحيز لاحد الخصوم كان هذا سبباً كافياً يبرر اقامة الشكوى ضده على وفق الاجراءات التي قررها القانون المذكور بالمواد (86) وما بعدها ، مما يؤكد حرص المشرع على ضمان استقلالية القاضي وحياديته لكي يبقى القضاء عادلاً ونزيهاً.
كما اقرت المعاهدات والمواثيق الدولية مبدأ حياد القاضي واكدت على وجوب أن يكون القاضي محايداً وغير متحيز عند النظر بالقضايا التي ترفع اليه لما يتمتع به المنصب القضائي من خطورة كونه يمس مباشرة حقوق وحريات افراد المجتمع ، فقد جاء بالمادة (11) من الاعلان العالمي لحقوق الانسان الصادر عام 1948 " لكل انسان الحق في محاكمة عادلة وعلنية وامام محكمة مستقلة ومحايدة " .
ونصت المادة (6) من المعاهدة الاوربية لحقوق الانسان الصادرة عام 1950 على ان " لكل انسان الحق في محاكمة عادلة امام محكمة مستقلة ومحايدة " .
وتأسياً على ما تقدم يتعين على القاضي الفصل في المسائل التي تعرض عليه من دون تحيز او ميل ، انما على اساس الوقائع وعلى وفق احكام القانون الاجرائي والموضوعي ومن دون اية تقييدات او تأثيرات غير سليمة او اية اغراءات او ضغوط او تهديدات او تدخلات مباشرة او غير مباشرة ومن اية جهة كانت ولاي سبب .
وفي الوقت نفسه يتعين على الدولة كواجب قانوني اولاً واخلاقي ثانياً ممثلة بالسلطات الثلاث التشريعية والتنفيذية والقضائية ان تسعى لتوفير الدعم والحماية اللازمين بصورة متساوية ومتكافئة لكل القضاة للمحافظة على استقلالهم وحيادهم في العمل ، وتشجيعاً لهم للوقوف بوجه ما يتعرضون له في الواقع من ضغوط وتهديدات ومؤثرات خارجية ، والتي قد تجعل البعض منهم تحت تأثيرها ، ان يبتعد عن طريق الحق ويجانب الصواب في الاحكام التي يصدرها ، ولهذا فالواجب يستعدي ان لا يترك القاضي لوحده يواجه تلك التحديات والمخاطر .
الفصل الثاني
استقلال القاضي
ان وجود سلطة قضائية مستقلة وقوية تتولى ادارة شؤون القضاة كافة بعيداً عن تدخل سلطات الدولة والمؤسسات الحكومية الاخرى في شؤونهم وخضوع القضاة لنظام اداري مستقل ومتميز عن النظام الاداري الذي يخضع له بقية موظفي الدولة يُعد من الضمانات الاساسية لاستقلال القاضي .
ونتكلم في هذا الفصل وفي مبحثين عن ادارة الجهاز القضائي والنظام الاداري الذي يتبعه القضاة .
المبحث الاول
ادارة القضاء
من اجل ضمان استقلال حقيقي للسلطة القضائية عن السلطتين التشريعية والتنفيذية يتجسد على ارض الواقع وعدم خضوع القضاة للتسلط من جانب السمؤولين في الدولة ، فلابد من ان يتولى القضاة ادارة شؤونهم بأنفسهم والاشراف والهيمنة على اعمالهم من دون تدخل السلطات الاخرى ويتم هذا الامر عن طريق مجلس قضاء يختص بادارة شؤون القضاة والاشراف على اعمالهم يتكون اعضاؤه كافة من القضاة وتحدد تشكيلاته واختصاصاته وطريقة عمله على وفق احكام قانون السلطة القضائية .
ونوضح بالفقرات الاتية كيفية تشكيل مجلس القضاء وكيفية ممارسة اعماله وما هي اهم اختصاصاته .
أولاً- تشكيل مجلس القضاء :
يؤلف مجلس القضاء من كبار القضاة ومن ذوي الخبرة الطويلة في مجال العمل القضائي ، والمشهود لهم بالكفاءة والنزاهة ، ويختص بادارة جهاز القضاء العادي في الدولة وهو الذي يهيمن على شؤون القضاة كافة من تعيين وترقية ونقل وانتداب واعارة .
ويتولى الاشراف على اعمال القضاة ومساءلتهم انضباطياً ومدنياً وجزائياً من دون تدخل اية سلطة اخرى سواء التشريعية او التنفيذية ، ولهذا يجب ان لا يشرع أي قانون يتعلق بالقضاء الا بعد اخذ رأي مجلس القضاء ، حتى لا تترك مثل هذه الامور الادارية للسلطة التنفيذية تباشرها بنفسها وتنفذ من طريقها الى التأثير على القضاة وتكون وسيلة لاخضاعهم لسلطانها والاعتداء على استقلالهم([43]).
وبقدر تعلق الامر بالنظام القضائي في العراق فقد تولى لاول مرة مجلس للقضاء ادارة شؤونه والاشراف على اعمال القضاة مباشرة وبصورة مستقلة تماماً عن السلطة التنفيذية بموجب قانون السلطة القضائية رقم 26 لسنة 1963 الملغي، والذي حددت المواد (28-31) منه كيفية تشكيله وممارسة اعماله وما هي واجباته .
وبموجب قانون وزارة العدل رقم (101) لسنة 1977 والذي نصت المادة (13) منه بأن لا يعمل بأي نص قانوني يتعارض مع احكامه وقبل الغاء القانون رقم 26 لسنة 1963 تولت وزارة العدل بالكامل الاشراف على القضاء واجهزة العدل الاخرى ، اذ اصبح وزير العدل هو الذي يقوم بهذه المهمة كونه الرئيس الاعلى للوزارة والمسؤول عن توجيه سياستها وعن اعمال دوائرها واجهزتها .
واعتبر القانون المحاكم احد اجهزة العدل التابعة للوزارة مع هيئة التفتيش العدلي والمعهد القضائي وبمقتضى المادة (3) من القانون المذكور تم تشكيل مجلس للعدل يترأسه وزير العدل ويكون رئيس محكمة التمييز نائباً له ، وكانت من ضمن اختصاصات هذا المجلس بمقتضى المادة (4) منه النظر في ترفيع ونقل واعارة الحكام والقضاة والتحقق من سلوكهم وكفاءتهم ، كما تم تشكيل لجنة شؤون الحكام والقضاة من ثلاثة اعضاء يختارهم المجلس للنظر في الامور الانضباطية للقضاة ، وقد بقيت بعض الاحكام المتعلقة بشؤون القضاة من القانون رقم 26 لسنة 1963 سارية المفعول حتى صدور قانون التنظيم القضائي رقم (160) لسنة 1979 والذي بصدوره اصبح لوزير العدل ممثل السلطة التنفيذية الحق بالاشراف على جميع المحاكم والقضاة ومراقبة حسن ادارة المحاكم وتصرفات القائمين بأعمالها وسلوكهم الشخصي والرسمي وانتظام سجلاتها وحساباتها ودوام العاملين فيها ومراقبة التزام القضاة بواجباتهم القانونية .
والزم القانون رئيس محكمة التمييز الذي كان يتولى تفتيشها والاشراف على اعمال قضاتها بأن يقدم تقريراً سنوياً عن اعمال المحكمة الى وزير العدل ، كما الزم رئيس محكمة الاستئناف بتقديم مثل هذا التقرير عن القضاة الى الوزير يتضمن ملاحظاته عن سلوك كل منهم وكفاءته ومدى التزامه بواجباته وعن الامور الادارية والمالية في محاكمهم وما يراه نتيجة اشرافه([44]).
والزم القانون ايضاً الهيئات التمييزية والاستئنافية ومحاكم الجنايات بتنظيم تقارير مفصلة بالاحكام والقرارات التي ارتكب بها القاضي اخطاء فاحشة نتيجة الجهل بالمبادئ القانونية الاولية او اغفال الوقائع التي تظهر له وان ترسل صورة من هذه التقارير الى وزارة العدل لاخذها بنظر الاعتبار عند النظر في ترفيع القاضي او ترقيته([45]).
وأجاز القانون لوزير العدل تنبيه القاضي الى الأخطاء القانونية والإدارية التي تظهر نتيجة التفتيش على عمله وكل ما يقع منه من مخالفات لواجبات ومقتضيات وظيفته([46]).
وفيما يتعلق بالمساءلة الانضباطية للقضاة فإن الدعوى لا تحرك فيها ضد القاضي الا بناءً على قرار من وزير العدل بإحالة القاضي على لجنة شؤون القضاة المشكّلَة بموجب قانون وزارة العدل رقم (101) لسنة 1977 مما يعني ان القاضي كان تحت رحمة السلطة التنفيذية ، ويخضع في الواقع لرغبات ومزاج وزير العدل الذي يتبع تلك السلطة ، فضلاً عن الاجراءات الاخرى التي حددتها المواد (58 وما بعدها) من القانون ، والتي تضمنت في ثناياها سلطات واسعة لمجلس العدل الذي يترأسه الوزير يمارسها ضد القاضي .
يتضح مما تقدم مدى هيمنة السلطة التنفيذية على القضاء بجميع مفاصله الادارية والمالية في ظل نفاذ قانوني وزارة العدل رقم (101) لسنة 1977 ، والتنظيم القضائي رقم (160) لسنة 1979 المعدل ، والتي من خلالها استطاعت تلك السلطة المساس باستقلال القضاة واهدار كرامتهم على الرغم من تأكيد الدستور العراقي والقوانين ذات الصلة على ان القضاة مستقلون ولا سلطان عليهم لغير القانون والشواهد على ذلك كثيرة لا ينكرها احد ، لاسيما من عاصر تلك الحقبة الزمنية من تاريخ العراق ، إذ صدرت عن السلطة التنفيذية اوامر وقرارات تعسفية بحق القضاة من حجز واحالة الى التقاعد او الى الوظائف المدنية بقصد محاسبتهم من دون المرور بالاجراءات التي رسمها قانون التنظيم القضائي ، وطالت تلك الاوامر والقرارات قضاة محكمة التمييز والتي هي اعلى هيئة قضائية لمجرد عدم رضا رأس السلطة التنفيذية في ذلك الوقت على القرارات والاحكام التي تصدرها المحاكم .
وبموجب الامر 35 في 18/9/2003 الصادر عن سلطة الائتلاف المؤقتة التي تولت ادارة الحكم في العراق عقب سقوط النظام العراقي السابق في 9/4/2003 اعيد تشكيل مجلس القضاء لكي يتولى ادارة الجهاز القضائي في العراق والاشراف على اعمال المحاكم كافة ، ويقوم باداء وظائفه بشكل مستقل عن وزارة العدل .
والواقع ان صدور الامر 35 لسنة 2003 يُعد التاريخ الحقيقي لاستقلال القضاء في العراق وبصورة كاملة تماماً عن السلطة التنفيذية والمتمثلة بوزارة العدل بأن اصبحت الهيمنة على القضاء للقضاة انفسهم عن طريق مجلس القضاء .
والاهداف التي استدعت اعادة تشكيل مجلس القضاء كما حددها الامر 35 لسنة 2003 هي ضمان ممارسة الجهاز القضائي سلطاته كافة طبقاً لمبادئ سيادة القانون وتعيين القضاة والمدعين العامين من بين اشخاص يتمتعون بسمعة طيبة لا تشوبها شائبة من حيث النزاهة والاستقامة ويُعرفون بالكفاءة في مجال القانون .
وذلك لان وجود جهاز قضائي حر ومستقل لا يخضع لاي مؤثرات خارجية عند ممارسته لاعماله ويعمل فيه اشخاص اكفاء يُعد شرطاً اساسياً من شروط توفر سيادة القانون .
ولهذا نعتقد انه من الضروري فك ارتباط المعهد القضائي من وزارة العدل والحاق ادارته برئاسة مجلس القضاء ، إذ ان المعهد القضائي هو الجهة المعنية باعداد القضاة والمدعين العامين للعمل في محاكم العراق ، ولم يعد مقبولاً ان يبقى تابعاً للسلطة التنفيذية ممثلة بوزارة العدل ، إذ ان بقائه تابعاً لتلك السلطة يشكل خرقاً واضحاً لاستقلال القضاء ، ومبدأ الفصل بين السلطات الذي اقره الدستور العراقي لسنة 2005 ويتنافى مع الاهداف التي استدعت اعادة تشكيل مجلس القضاء ليتولى ادارة الجهاز القضائي ، لاسيما وان السلطة القضائية اصبحت بعد صدور الامر 35 لسنة 2003 هي المسؤولة عن تعيين القضاة في العراق .
ويتألف مجلس القضاء على وفق القسم (2) من الامر 35 لسنة 2003 من رئيس محكمة التمييز ويكون رئيساً للمجلس اذ هو رئيس اعلى هيئة قضائية بالنسبة للقضاء العادي وعضوية كل من نواب رئيس محكمة التمييز ورئيس الادعاء العام ورئيس هيئة الاشراف القضائي ، ومدير عام ادارة المجلس ، اذا كان قاضياً او مدعياً عاماً ورؤساء محاكم الاستئناف .
ويكون للمجلس امين عام يختاره رئيس المجلس يؤدي وظائف ادارية للمجلس يضطلع بها هو والموظفون الاضافيون الذين يعتبرهم كل من مجلس القضاء ووزارة المالية مناسبين لتأدية تلك المهام والوظائف .
ونعتقد انه لا حاجة لرأي وزارة المالية فيما يتعلق بصلاحية الموظفين الاداريين الذين ينسبون للعمل في مجلس القضاء اذا رأى المجلس كفايتهم للعمل على وفق سلطاته بهذا الشأن ضماناً لاستقلال القضاء وتطبيقاً لمبدأ الفصل بين السلطات الذي اقره دستور جمهورية العراق لسنة 2005 ، وعلى وزارة لمالية في هذه الحالة توفير الدرجات الوظيفية اللازمة بناءً على طلب مجلس القضاء .
وبموجب الامر (35) فإن نائب رئيس مجلس القضاء هو احد نواب رئيس محكمة التمييز يختاره اعضاء المجلس ، ولكن لم يحدد الامر طريقة اختيار نائب الرئيس ، ولم يبين صلاحياته في حالة غياب الرئيس ، ونرى ان يكون نائب رئيس مجلس القضاء هو اقدم نواب رئيس محكمة التمييز او أن يتم النص على كيفية اختياره من بين نواب رئيس محكمة التمييز ، وان يخول صلاحيات رئيس المجلس في حالة غيابه لاي سبب كان .
وتم انشاء مجلس اعلى للقضاء بموجب المادة الخامسة والاربعين من قانون ادارة الدولة العراقية خلال المرحلة الانتقالية لسنة 2004 يتولى دور مجلس القضاة ، ويشرف على القضاء الاتحادي ويدير ميزانية المجلس ويتشكل من رئيس المحكمة الاتحادية العليا ورئيس ونواب محكمة التمييز الاتحادية ورؤوساء محاكم الاستئناف الاتحادية ورئيس كل محكمة اقليمية للتمييز ونائبيه ، ويترأس رئيس المحكمة الاتحادية العليا المجلس الاعلى للقضاء ، وفي حالة غيابه يترأس المجلس رئيس محكمة التمييز الاتحادية .
ويلاحظ بأن قانون ادارة الدولة العراقية للمرحلة الانتقالية لم يتضمن ان يكون كل من رئيس الادعاء العام ورئيس هيئة الاشراف القضائي من بين اعضاء مجلس القضاء الاعلى كما نص على ان يكون رئيس محكمة التمييز نائباً لرئيس مجلس القضاء الاعلى الذي هو رئيس المحكمة الاتحادية خلافاً لما نص عليه الامر 35 لسنة 2003 ولم يبين مصير مجلس القضاء المشكل بموجب الامر المذكور .
وقد الغي قانون الدولة العراقية للمرحلة الانتقالية بصدور دستور جمهورية العراق الدائم لسنة 2005 وتشكيل الحكومة العراقية الجديدة بموجبه ، ونصت المادة (89) من الدستور على تكوين السلطة القضائية الاتحادية من مجلس القضاء الاعلى والمحكمة الاتحادية العليا ومحكمة التمييز الاتحادية وجهاز الادعاء العام وهيئة الاشراف القضائي والمحاكم الاتحادية الاخرى التي تنظم وفقاً للقانون .
ويتولى مجلس القضاء الاعلى على وفق المادة (90) من الدستور ادارة شؤون الهيئات القضائية وينظم القانون طريقة تكوينه واختصاصاته وقواعد سير العمل فيه .
واعتبرت المادة (92) من الدستور المحكمة الاتحادية العليا هيئة قضائية مستقلة مالياً وادارياً مع أنها تتبع السلطة القضائية بموجب المادة (89) منه والتي يتولى ادارتها مجلس القضاء الاعلى .
ويلاحظ ان الدستور لم ينص على ان يكون رئيس المحكمة الاتحادية العليا رئيساً لمجلس القضاء الاعلى ، وان رئيس المحكمة الاتحادية يتولى رئاسة المجلس بالاستناد الى المادة الخامسة والاربعين من قانون ادارة الدولة العراقية للمرحلة الانتقالية([47])، على الرغم من الغاء هذا القانون بصدور الدستور العراقي ، فضلاً عن التناقض الواضح بشأن النصوص المتعلقة بالمحكمة الاتحادية العليا التي جاء بها الدستور ، فمن جهة اعتبرها هيئة قضائية مستقلة مالياً وادارياً ، ومن جهة اخرى اعتبرها احدى تشكيلات السلطة القضائية مما يقتضي المراجعة والمعالجة التشريعية لهذه النصوص اذ ما معنى الاستقلال المالي والاداري للمحكمة مادامت تابعة للسلطة القضائية والتي يتولى ادارتها مجلس القضاء الاعلى وبكافة مفاصلها .
والواقع ان المشرع الدستوري في العراق لم يكن موفقاً بأن جعل المحكمة الاتحادية العليا من ضمن الهيئات القضائية التابعة للسلطة القضائية ، إذ كان من الافضل ان تكون تلك المحكمة خارج السلطة القضائية ومستقلة تماماً عنها وعن بقية السلطات والمؤسسات الحكومية الاخرى .
إذ ان ذلك يشكل ضماناً اكبر لاستقلال المحكمة وحياديتها وعدم اخضاعها لاي من السلطات الثلاث في الدولة مما يبعدها عن تسلطها ويجنبها ان تكون طرفاً في الصراعات السياسية والفئوية والحزبية ، وهذا باعتقادنا ما يجب ان يكون عليه واقع حال المحكمة الاتحادية .
فالمحكمة الاتحادية في العراق هي محكمة دستورية وهذا النوع من المحاكم يؤسس ويُمنح سلطات قضائية للنظر بشكل خاص وحصري في النزاع القضائي الدستوري ، وهي خارج تشكيلات الجهاز القضائي العادي ، وتستقل عنه تماماً كما أنها تستقل عن بقية السلطات والمؤسسات الحكومية الاخرى .
فالمحاكم الدستورية تحتكر الفصل بالنزاع القضائي الدستوري وبامكانها وحدها النظر في هذا النزاع مما يعني ان السلطة القضائية العادية محظور عليها النظر في المنازعات الدستورية .
اما المحاكم العليا فهي سلطات قضائية وضعت على قمة صرح قضائي يتبع لها عن طريق الاستئناف او التمييز مجموعة المحاكم التي تؤلف هذا الصرح (القضاء العادي)([48]).
لاسيما وان المحكمة الاتحادية العليا بوصفها محكمة دستورية قد تنظر في طعون تقدم ضد قوانين تتعلق بالسلطة القضائية بحجة عدم موافقتها للدستور والتي تتبعها المحكمة حسبما نص عليه دستور جمهورية العراق لسنة 2005 وكذلك الطعون التي تخص مصادقة مجلس النواب على ترشيحات قضاة محكمة التمييز الاتحادية ورئاسات الاجهزة القضائية الاخرى على وفق المادة (91) من الدستور مما يجعل مصداقية المحكمة محل (شك) في نظر البعض عند التصدي لمثل هذه الطعون، ولهذا يفضل ان تكون المحكمة الاتحادية العليا في العراق مستقلة بالكامل عن السلطات الثلاثة في الدولة .
ولما كان دستور جمهورية العراق لسنة 2005 قد حسم هذه المسألة واعتبر المحكمة الاتحادية جزء من السلطة القضائية وان الفقرة ثانياً من المادة (92) منه قضت بأن تتكون المحكمة الاتحادية العليا من عدد من القضاة وخبراء الفقه الاسلامي وفقهاء القانون ، يحدد عددهم وتنظم طريقة اختيارهم وعمل المحكمة بقانون يوافق عليه اغلبية ثلثي اعضاء مجلس النواب .
مما يتعين على المشرع في هذه الحالة ان يراعي عند تشريع القانون الخاص بالمحكمة الاتحادية ان يتضمن نصاً بوجوب ان يتولى رئاسة المحكمة الاتحادية احد القضاة من اعضاء المحكمة او رئيس محكمة التمييز الاتحادية او احد قضاتها بعد ترشيح أي منهم بالطريقة التي يحددها القانون لعضوية المحكمة ، خشية ان يتولى رئاسة المحكمة شخصاً من غير القضاة من اعضائها (خبراء الفقه الاسلامي او فقهاء القانون) طالما ان الدستور لم يمنع ذلك صراحة ، ويتولى بعد هذا بحكم كونه رئيساً للمحكمة رئاسة مجلس القضاء الاعلى ، وهو ليس قاضياً مما يشكل اعتداءً صارخاً على استقلال القضاء وخرقاً فاضحاً لمبدأ الفصل بين السلطات الذي اقره الدستور ويجعل المحكمة ومجلس القضاء طرفاً في الصراعات السياسية والحزبية بقصد فرض سيطرة السلطة التنفيذية على السلطة القضائية واخضاعها لنفوذها .
واذا سلمنا ان رئيس المحكمة الاتحادية العليا هو رئيس مجلس القضاء الاعلى فلابد ان يكون نائباً له رئيس محكمة التمييز الاتحادية ويخول صلاحيته عند غيابه لاي سبب كان .
وان يكون من ضمن اعضاء مجلس القضاء الاعلى بالاضافة الى نواب رئيس محكمة التمييز الاتحادية رؤساء الهيئات التمييزية فيها المدنية والجزائية وقضايا الاحوال الشخصية كونهم على اطلاع اوسع من سواهم على قابليات القضاة وقدراتهم العلمية عند تقييم عملهم القضائي لاشغال المناصب القضائية العليا في السلطة القضائية وغني عن البيان انه يتوجب ان يكون اعضاء مجلس القضاء الاعلى من القضاة الذين امضوا في العمل القضائي مدة لا تقل عن خمسة عشر سنة وفي الصنف الاول من اصناف القضاة مدة لا تقل عن سنتين ومن المشهود لهم بالكفاءة والنزاهة والخبرة الطويلة في العمل القضائي وان تكون هناك معايير موضوعية وعلمية واضحة في اختيارهم .
ثانياً – كيفية عمل مجلس القضاء :
بموجب القسم (4) من الامر (35) لسنة 2003 يعقد مجلس القضاء اجتماعات منتظمة لا تقل عن اجتماع واحد في الشهر ، ولرئيس المجلس عند الضرورة دعوة المجلس لعقد جلسات خاصة (استثنائية) لانجاز بعض الاعمال الضرورية من دون ان يُبين ماهية تلك الاعمال التي تبرر عقد مثل هذه الجلسات ، مما يعني ان الضرورة هنا متروك تقديرها لرئيس المجلس وحسب الظروف الخاصة بكل حالة .
ويكتمل النصاب القانوني لاجتماع المجلس بحضور ثلاثة ارباع اعضائه وحضور الرئيس او نائبه ، ويتخذ المجلس قراراته بأغلبية اصوات الاعضاء الحاضرين أي نصف العدد زائداً واحد في الامور المعروضة عليه ضمن جدول اعماله .
ونرى ان لا يتخذ المجلس قراراته الا بحضور جميع اعضائه ؛ لان في ذلك ضماناً لعدم التفرد باتخاذ القرارات وعدم تغليب رأي الاعضاء الاقوى في المجلس ، كما نضمن مشاركة جميع الاعضاء في المداولات والمناقشات بالشأن القضائي ، وان يكتمل النصاب القانوني للاجتماع بحضور جميع الاعضاء وليس ثلاثة ارباعهم .
ويلاحظ ان الامر (35) لم يُبين ما هو الحكم في حالة غياب رئيس المجلس ومن هو الذي يتولى رئاسة المجلس عند غيابه ، بخلاف قانون ادارة الدولة العراقية للمرحلة الانتقالية اذ نص الشطر الاخير من المادة الخامسة والاربعين منه على ان "يترأس رئيس المحكمة الاتحادية العليا المجلس الاعلى للقضاء وفي حالة غيابه يترأس المجلس رئيس محكمة التمييز الاتحادية " .
ونستطيع ان نستنتج من نص الفقرة (2) من القسم (4) من الامر (35) والتي اعتبرت النصاب القانوني لاجتماع المجلس مكتملاً بحضور ثلاثة ارباع اعضائه وحضور رئيس المجلس او نائبه ، انه يجوز انعقاد الاجتماع برئاسة نائب رئيس المجلس اذا لم يكن الرئيس حاضراً لاي سب كان .
فضلاً عن أن الامر (35) لسنة 2003 في الواقع قد اعاد تشكيل مجلس القضاء الذي كان يمارس سلطاته وصلاحياته على وفق قانون السلطة القضائية رقم 26 لسنة 1963 وقبل التغيرات التي كان قد احدثها النظام السابق في جسد النظام القضائي العراقي بالغائه قانون السلطة القضائية ومجلس القضاء المشكل بموجبه ليحل محلهما قانون التنظيم القضائي رقم 160 لسنة 1979 ومجلس العدل الذي تم تشكيله بموجب قانون وزارة العدل رقم (101) لسنة 1977 ، وهذا واضح من نص القسم (1) من الامر اعلاه والذي تضمن عبارة " يُعيد هذا الامر تشكيل مجلس القضاة المكلف بالاشراف على جهازي القضاء والادعاء العام في العراق " .
وبالرجوع الى المادة الثامنة والعشرين من قانون السلطة القضائية رقم 26 لسنة 1963 نجد أنها قضت بأنه في حالة غياب رئيس مجلس القضاء لاي سبب كان يقوم مقامه اقدم نائبيه وعند غيابهم يترأس المجلس اقدم الاعضاء من قضاة محكمة التمييز .
واجاز القانون رد عضو مجلس القضاء للاسباب التي يجوز معها رد القاضي ويقدم طلب الرد الى رئيس المجلس ويجتمع المجلس في هذه الحالة بغياب العضو الذي طلب رده ويحل محله احد الاعضاء الاحتياطيين للنظر في الطلب واتخاذ القرار اللازم بشانه ويكون قراره بذلك قطعياً .
ولم يبين الامر 35 لسنة 2003 ما هو الحكم في حالة تساوي اصوات الاعضاء الحاضرين بشأن المسائل المعروضة على المجلس ونعتقد انه في هذه الحالة يجب ترجيح الجانب الذي فيه الرئيس .
مما تقدم يتضح مدى التناقض والتباين في النصوص القانونية التي عالجت ادارة القضاء في العراق والجهة التي تتولى الاشراف على اعمال القضاة مما يؤكد الحاجة الملحة والضرورية لتشريع قانون للسلطة القضائية ينظم جوانبها وتشكيلاتها كافة ، وعدم ترك مثل هذه الامور المهمة والخطيرة للقوانين الاخرى والتي ليست لها علاقة بالسلطة القضائية ، لاسيما في ظل الظروف والمتغيرات السياسية والاجتماعية والاقتصادية ، وشكل نظام الحكم التي حصلت في العراق بعد احداث 9/4/2003 .
ثالثاً- اختصاصات مجلس القضاء :
1.المحافظة على استقلال القضاء :
من اهم الاختصاصات التي يجب ان يتولاها مجلس القضاء هو المحافظة على استقلال القضاء بالوقوف بوجه كل المحاولات التي ترمي للاعتداء عليه ، واتخاذ الاجراءات الكفيلة لمنع التدخل في العمل القضائي او في شؤون القضاة من جانب اية سلطة من سلطات الدولة او اية جهة مهما كان شأنها وتوفير الاحترام اللازم للاحكام والقرارات التي تصدرها المحاكم مما يقتضي ان تكون السلطة القضائية هي المسؤولة عن تنفيذ احكام المحاكم وليست السلطة التنفيذية ، ذلك ان الكثير من احكام القضاء سواء في القضايا المدنية او الجزائية تصدر ضد المؤسسات الحكومية التابعة للسلطة التنفيذية مما يجعل هذه السلطة تعرقل تنفيذ تلك الاحكام مما يشكل خرقاً لاستقلال القضاء .
وهذا الاختصاص وان لم ينص عليه صراحة كل من الامر 35 لسنة 2003 ودستور جمهورية العراق لسنة 2005 ، الا ان ذلك لا يحول من ان يمارس مجلس القضاء الاختصاص المذكور المهم والخطير والذي تم انشاء المجلس من اجله ، وكان احد الاهداف الرئيسية التي استدعت اعادة تشكيله هو ضمان وجود جهاز قضائي حر ومستقل لا يخضع للتأثيرات الخارجية ولا يوجد مثل هذا الجهاز من غير المحافظة على استقلاله .
وقد اوجبت الفقرة (4) من المادة الثلاثين من قانون السلطة القضائية رقم (26) لسنة 1963 على مجلس القضاء ان يتولى مهمة الاشراف على استقلال القضاء ، ولهذا نتمنى على المشرع العراقي عند تشريعه قانون السلطة القضائية مراعاة هذه المسألة والنص صراحة على ان من واجبات مجلس القضاء المحافظة على استقلال القضاء ، وفي الوقت نفسه على المجلس ان يسعى بكل امكانياته وطاقاته لاقرار هذا النص لما فيه من ضمان اكيد لاستقلاله واستقلال اعضاء السلطة القضائية عموماً .
ويترتب على هذا الاختصاص قيام مجلس القضاء بواجب حماية القضاة من افعال التأثير التي يتعرضون لها من السلطة التنفيذية ، ومن أي سلطة او جهة اخرى حكومية او غير حكومية ، كوسائل الاعلام مثلاً وان يمنع أي تدخل في شؤون القضاء ويجب عليه عدم اقحام السلطة التنفيذية في شؤونه مهما حدثت من خلافات بين اعضائه والا فان استقلال القضاء يتعرض للانهيار التام([49]).
2.ادارة الجهاز القضائي :
بصدور الامر (35) لسنة 2003 اصبح مجلس القضاء في العراق يتولى مهمة الاشراف على الجهاز القضائي وادارة شؤون القضاة كافة من دون تدخل اية سلطة اخرى .
اذ حدد القسم (3) من الامر اعلاه اهم الواجبات والمسؤوليات التي يضطلع بها المجلس عند قيامه بادارة شؤون القضاء ومنها توفير الرقابة الادارية على جميع القضاة والتحقيق في الشكاوى التي ترفع ضدهم بشأن سوء سلوكهم وعدم كفاءتهم المهنية واتخاذ الاجراءات التأديبية المناسبة بحقهم بما في ذلك العزل من المنصب القضائي .
وترشيح الاشخاص الاكفاء لتولي المناصب القضائية والتوصية بتعيينهم وترقية القضاة وترفيعهم وتحديث مهاراتهم ونقلهم وانتدابهم فيما بين الجهات القضائية المختلفة او الانتداب لغير العمل القضائي واحالتهم الى التقاعد وتعيين او اعادة تعيين القضاة لتولي مناصب محددة في الجهاز القضائي على وفق ما ينص عليه قانون التنظيم القضائي رقم 160 لسنة 1979 المعدل .
وبموجب المادة (90) من دستور جمهورية العراق لسنة 2005 فان مجلس القضاء الاعلى هو الذي يتولى ادارة شؤون الهيئات القضائية التي تتكون منها السلطة القضائية وهي المحكمة الاتحادية العليا ومحكمة التمييز الاتحادية وجهاز الادعاء العام وهيئة الاشراف القضائي اضافة الى المحاكم الاتحادية الاخرى([50])، وكذلك اقتراح مشروع الموازنة السنوية للسلطة القضائية الاتحادية وعرضها على مجلس النواب للموافقة عليها([51]).
كما ان مجلس القضاء الاعلى هو المسؤول عن ترشيح رئيس واعضاء محكمة التمييز الاتحادية ورئيس الادعاء العام رئيس هيئة الاشراف القضائي وعرضها على مجلس النواب للموافقة على تعيينهم على وفق ما نصت عليه الفقرة ثانياً من المادة (91) من الدستور .
ان استحصال موافقة مجلس النواب على تعيين اعضاء السلطة القضائية يعني السماح للسلطة التشريعية بالتدخل في اختيار السلطة القضائية لاعضائها ، والذي ينبغي ان يكون شأناً خاصاً بها وحكراً عليها من دون تدخل أي جهة اخرى . اذ ان السماح للجهات الاخرى بالتدخل في تعيين القضاة يتنافى ومبدأ الفصل بين السلطات واستقلال كل سلطة بالكامل عن السلطة الاخرى والذي اقره الدستور نفسه .
وان خرق هذا المبدأ الدستوري سيؤدي بالنتيجة الى اخضاع اعضاء السلطة القضائية الذين يراد لهم ان يكونوا مستقلين الى ارادة رجال السياسة والحكم الذين يملكون الموافقة على تعيينهم في المناصب القضائية العليا ، مما يجعل القضاء طرفاً في الصراعات السياسية والحزبية والفئوية في حين يقتضي ابعاده عن مثل هذه الصراعات .
ومعلوم ان اخضاع القاضي وشؤونه وحقوقه الى ارداة رجل الحكم والسياسة ، يعني انهياراً كاملاً لدعائم العدالة وضياع قيم العدل والانصاف في المجتمع ، فضلاً عما يتضمنه من اذلال واضعاف لشخصية القاضي واهدار كرامة القضاء نتيجة اضطرار القاضي لان يطرق ابواب السياسيين للموافقة على ترشيحه للتعيين في المناصب القضائية .
ولهذا يتعين بالمشرع الدستوري في العراق ان يلتفت الى هذا الجانب المهم والخطير ، وان يسعى لتعديل النصوص الدستورية التي فيها مساس واضح باستقلال القضاء وخرق فاضح لمبدأ الفصل بين السلطات وبما يضمن ان يكون مجلس القضاء الاعلى هو المسؤول الوحيد عن تعيين القضاة في العراق وترشيحهم لتولي المناصب القضائية العليا ضمن السلطة القضائية على ان ترفع تلك التعيينات والترشيحات الى رئاسة الجمهورية لاصدار مرسوم جمهوري بها على اساس ان رئيس الجمهورية هو رئيس الدولة ورمز وحدة الوطن وممثلاً لسيادة البلاد على وفق ما تنص عليه المادة 67 من الدستور .
والواقع ان ادارة الجهاز القضائي والاشراف على اعمال القضاة امر غاية في الصعوبة والتعقيد ، وذلك لان تزويد المحاكم بالعناصر ذات الكفاءة العالية في مجال القانون والتي تتمتع بحسن التقدير والسمعة الجيدة ووضعها في المكان المناسب عملاً ليس سهلاً ، والمشكلة الحقيقية ليست بالافتقار الى هذه العناصر انما باكتشافها واختيارها بناءً على معايير موضوعية سليمة وتدريبها على العمل القضائي وتوعيتها وتطوير ملكاتها واقصاء من يثبت عدم صلاحيته للعمل القضائي([52]).
مما يستدعي التأكيد على ضرورة ان يرتبط المعهد القضائي بالسلطة القضائية ويكون من ضمن المؤسسات التابعة لرئاسة مجلس القضاء الاعلى ، وذلك لان استمرار ارتباطه بوزارة العدل يشكل اعتداءً على استقلال السلطة القضائية وخرقاً لمبدأ الفصل بين السلطات الذي اقره الدستور وتجاوزاً على اختصاصات مجلس القضاء الاعلى التي اقرها الدستور كون المجلس هو الجهة المسؤولة عن اختيار الاشخاص المؤهلين لتولي المناصب القضائية .
ويتوجب على مجلس القضاء الاعلى ضمن هذا السياق ان يضع خطة شاملة لاختيار المقبولين للدراسة في المعهد على وفق معايير موضوعية لا تتدخل فيها الارادات السياسية والحزبية والمذهبية وبعيداً عن تدخل السلطات الاخرى في الدولة وعلى وفق اسس الكفاءة والنزاهة والسمعة الطيبة وان يسعى في الوقت نفسه لتطوير مناهج واساليب الدراسة والتدريب في المعهد بما يجعلها تواكب الانظمة الحديثة والانفتاح على تجارب الاخرين في هذا المجال .
3. تطوير الجهاز القضائي :
يلتزم مجلس القضاء بالعمل على تطوير القضاء واصلاحه ودفع القضاة الى الامام والسعي لايجاد الوسائل الكفيلة بتذليل الصعوبات وازالة العقبات التي تعترض حركة تطور الجهاز القضائي وتقدمه ، والمتمثلة في تحكم اساليب الروتين في عمل هذا الجهاز ، والتخلف العلمي عن المتابعة والدراسة ومواكبة تطور النظريات القانونية، والارهاق بالمسؤوليات لاسيما الادارية الذي يجعل القضاة عاجزين تماماً عن الاجتهاد والفصل بالدعاوى بروح العدل والانصاف .
ولهذا يتعين على مجلس القضاء تعيين القضاة في المناصب القضائية على وفق معيار الكفاءة اذ ان ذلك يكون سبباً في زيادة نشاطهم الابداعي وتنمية قدراتهم العلمية والدراسية ويخلق داخلهم القيم اللازمة للتطوير ، الامر الذي يؤدي الى ازالة العوامل السلبية التي تعرقل نمو وتطور القضاة فلا يتولى المناصب القضائية العليا الا قضاة يتمتعون بالكفاءة العلمية فيتحول الجهاز القضائي الى جهاز من العلماء والمجتهدين([53]) .
كما يتوجب على مجلس القضاء في سبيل تطوير الجهاز القضائي ان يعمل على استحداث اساليب علمية متطورة للعمل في المحاكم وتوزيع الدعاوى على القضاة وعلى وفق معايير موضوعية وعلمية واضحة وترك الاساليب التقليدية التي تتبعها المحاكم بهذا الشأن وارسال البعثات بغية حصول القضاة على درجة علمية اعلى .
وعلى المجلس ايضاً ان يتبع اسلوب التدريب المستمر للارتقاء بمستوى القضاة ومستوى اعمالهم في الوقت نفسه وعقد الندوات الفكرية والعلمية وتشجيعهم على القاء المحاضرات في معاهد وكليات القانون وكتابة البحوث واصدار مجلة علمية متخصصة تتولى نشر هذه البحوث مما يؤدي الى خلق قاض عالم ومجتهد يتمتع باتزان فكري والذي يشكل البعد النفسي في برنامج أي اصلاح قضائي لكي يصبح قادراً على مواصلة رسالته في تحقيق العدالة بذلاً وعطاءً لخير المواطنين جميعاً قادراً على مزج الاصالة بالتجديد والانفتاح على نتاج العصر من دون الوقوع في حبائل الجمود او الاغراق في التقليد([54]) .
4. اقتراح مشروعات القوانين :
يملك مجلس القضاء من دون غيره الحق في اقتراح مشروعات القوانين المتعلقة بالسلطة القضائية انطلاقاً من مبدأ عدم تدخل السلطة التشريعية في اعمال القضاء ، وهو اثر من آثار استقلال السلطة القضائية عن السلطة التشريعية .
وقد منحت بعض قوانين السلطة القضائية في الدول العربية مجلس القضاء هذا الحق ، اذ منحت المادة 63/5 من قانون السلطة القضائية السوري على ان يمارس مجلس القضاء الاعلى حق (اقتراح مشروعات القوانين المتعلقة بالقضاء وبحصانة القضاة وأصول تعيينهم وترفيعهم ونقلهم وتأديبهم وعزلهم وتحديد اقدميتهم) ، ونصت المادة (77) مكررة من قانون السلطة القضائية المصري على انه (يجب اخذ رأي مجلس القضاء الاعلى في مشروعات القوانين المتعلقة بالقضاء والنيابة العامة) .
كما نصت المادة 17/2 من قانون السلطة القضائية في سلطنة عمان على ان من اختصاصات مجلس الشؤون الادارية الذي يترأسه رئيس المحكمة العليا ويتولى ادارة شؤون القضاء (اقتراح مشروعات القوانين المتعلقة بالقضاء ويجب اخذ رأيه في هذه المشروعات) .
ومما لا شك فيه ان منح مجلس القضاء حق اقتراح مشروعات القوانين المتعلقة بالقضاء من شأنه ان يمنع السلطة التنفيذية من حقها في اقتراح مشروعات تلك القوانين حسب صلاحيتها الدستورية([55]).
والعلة في ذلك تعود الى ان مبدأ الفصل بين السلطات واستقلال السلطة القضائية يقتضي عدم تدخل اية سلطة اخرى في شؤون القضاء ، واقتراح مشروعات القوانين المتعلقة بالقضاء من جانب السلطة التنفيذية فيه مساس باستقلال القضاء وتدخل في شؤونه ، لاسيما وان السلطة القضائية ادرى بما تحتاج اليه من اصلاح في انظمتها وقوانينها ، إذ لا قيمة لهذا الاستقلال اذا كان باستطاعة السلطة التنفيذية ان تخرقه عن طريق اقتراح القوانين التي تنظم شؤون القضاء وتتسلط بها عليه([56]).
ومن المؤسف حقاً ان دستور جمهورية العراق لسنة 2005 لم يمنح مجلس القضاء الاعلى الحق باقتراح مشروعات القوانين المتعلقة بالقضاء مع انه اقر مبدأ الفصل بين السلطات والاستقلال الكامل للسلطة القضائية عن السلطات الاخرى .
المبحث الثاني
النظام الاداري للقاضي
ان القواعد القانونية التي تحكم النظام الاداري للقاضي من عزل ونقل وانتداب واعارة واحالة الى التقاعد اهم ما يميز مركزه الوظيفي عن غيره من موظفي الدولة.
اذ يشتمل ذلك النظام على مجموعة من الضمانات تكفل قيام القاضي بأداء واجباته من دون تأثير او تدخل من اية سلطة او جهة حكومية او غير حكومية مهما كانت الاسباب والتبريرات ، وان هذه الضمانات غير موجودة ضمن النظام الاداري الذي يخضع له موظفي الدولة لاخرين .
ونبين في هذا المبحث وبالفقرات الاتية القواعد القانونية التي تحكم النظام الاداري للقاضي .
اولاً – عدم قابلية القضاة للعزل :
نصت المادة (97) من الدستور على ان " القضاة غير قابلين للعزل الا في الحالات التي يحددها القانون ، كما يحدد القانون ، الاحكام الخاصة بهم ، وينظم مساءلتهم تأديبياً " .
وهذا المبدأ يقصد به عدم جواز انهاء خدمة القاضي الوظيفية في الدولة ، إلاّ اذا ارتكب ما يستوجب ذلك وان لا يتم عزله في هذه الحالة الا عن طريق مجلس القضاء وبعيداً عن تدخل السلطة التنفيذية ، اذ ان مجلس القضاء يملك لوحده باعتباره ممثل السلطة القضائية الحق في تقدير ما صدر عن القاضي من افعال تبرر عزله من الخدمة في القضاء وعلى وفق ما ينص عليه القانون الذي ينظم عمل السلطة القضائية.
والواقع ان اقرار مبدأ عدم قابلية القضاة للعزل دستورياً وقانونياً يشكل ضمانة حقيقية لكي يقوم القاضي بأداء واجباته على احسن وجه ، اذ يبعث الطمأنينة في نفسه ويستطيع من خلاله القيام بعمله بحرية ونزاهة بعيداً عن الخوف او الخشية من ان يتسلط عليه أي مسؤول في الدولة مما يؤدي الى تعميق ثقة المتقاضين بعدالة القضاء.
وبالنتيجة يحقق المصلحة العامة لانه يمثل الدعامة الاولى في استقلال القضاء الذي مهمته الاساسية اقامة العدل في المجتمع([57]).
مما يقتضي ان يحدد القانون الحالات التي يملك فيها مجلس القضاء عزل القاضي من منصبه كي لا يترك امر العزل نهباً للاجتهادات القضائية والفقهية مما يجعله منفذاً تتدخل من خلاله السلطات الاخرى في عمل السلطة القضائية وتتجاوز به على اختصاصاتها وهو امر لم يعد مقبولاً في ظل مبدأ الفصل بين السلطات الذي اقره الدستور .
وحسب التشريع العراقي النافذ يتم انهاء خدمة القاضي او نقله الى وظيفة مدنية بمرسوم جمهوري بناءً على قرار من مجلس القضاء الاعلى ، إذا تأجل ترفيعه اكثر من مرتين متتاليتين بنفس الدرجة ، اذ في هذه الحالة يكون القاضي غير اهل للاستمرار بالمنصب القضائي([58]).
وعلى وفق المادة 58/ثالثاً من قانون التنظيم القضائي يعاقب القاضي بعقوبة انهاء الخدمة اذا صدر عليه حكم بات بعقوبة من محكمة مختصة عن فعل لا يأتلف وشرف الوظيفة القضائية او اذا ثبت عن محاكمة اجرتها لجنة شؤون القضاة عدم اهلية القاضي للاستمرار في الخدمة القضائية ويتم سحب يد القاضي في هذه الحالة الى حين صدور المرسوم الجمهوري بانهاء خدمته([59]).
ويجوز لمجلس القضاء الاعلى انهاء خدمة القاضي من الصنف الرابع او نقله الى وظيفة مدنية بناءً على قرار مسبب بعدم اهليته للقضاء ويتم ذلك بمرسوم جمهوري ويقرر سحب يده من العمل الى حين صدور المرسوم الجمهوري بانهاء خدمة القاضي من الصنف الرابع او نقله الى وظيفة مدنية([60]).
اذ في هذه الحالة يكون من الافضل انهاء خدمة القاضي في الصنف الرابع من أصناف القضاة اذا ثبت انه غير اهل للاستمرار بالعمل في القضاء ، وان نشأته القضائية كانت غير صحيحة منذ البداية لان استمراره في العمل القضائي على الرغم من اكتشاف عدم اهليته لهذا العمل منذ بداياته المبكرة فيه اساءة الى القضاء ويلحق الضرر بالمصلحة العامة .
ثانياً- نقل القاضي :
انطلاقاً من مبدأ الفصل بين السلطات واستقلال السلطة القضائية عن السلطات الاخرى والذي اقره الدستور وما نص عليه الامر 35 لسنة 2003 ، فإن مجلس القضاء الاعلى هو المسؤول عن تنقلات القضاة فيما بين المحاكم والمناطق المختلفة ، كونه احد الواجبات الرئيسة التي يضطلع بها المجلس في سبيل ادارته لشؤون القضاة كافة ومن دون تدخل السلطتين التشريعية والتنفيذية او اية جهة حكومية اخرى وبأي شكل من الاشكال وتحت أي ظروف .
ونقل القاضي ضمن المحاكم والمناطق المختلفة يفرضه واقع تعدد تلك المحاكم واختلافها وتنوعها ضمن السلطة القضائية وانتشارها في مراكز المدن والاقضية والنواحي ، وكما هو معلوم تتباين هذه المناطق فيما بينها من حيث توافر اسباب المعيشة الضرورية ومناخها وبعدها او قربها من العاصمة او مراكز المدن الكبرى مما يتولد عنه اماكن يرغب القضاة بالعمل بها واخرى لا يرغبون العمل فيها .
كما ان بقاء القاضي في منطقة او محكمة معينة لمدة طويلة قد ينشأ عنه صلات وعلاقات اجتماعية تتوطد مع اهل تلك المنطقة او مع المحامين الذين يمارسون عملهم بصورة مستمرة امام المحكمة التي يعمل فيها القاضي لاسيما في الاقضية والنواحي والاماكن البعيدة التي لا تكون فيها غالباً الا محكمة واحدة مما يؤثر سلباً في اداء القاضي الوظيفي ، ويشكل مدخلاً للطعن بنزاهته واستقلاليته([61]).
وحرصاً على المساواة بين القضاة وبغية المحافظة على استقلالهم وحريتهم في اداء واجباتهم الوظيفية واتخاذ القرارات اللازمة بشأن ذلك وضمن الحدود التي يسمح بها القانون ، وحتى لا يكون النقل وسيلة بيد المسؤولين للضغط على القضاة والتأثير على استقلاليتهم ونزاهتهم او البطش بهم عن طريق اصدار اوامر بنقلهم من محكمة الى اخرى قد تكون بعيدة عن محل اقامتهم او لا يرغبون العمل فيها لاسباب خاصة .
او خلق ميزة لبعض القضاة من دون اقرانهم الذين يتفوقون عليهم في الكفاءة والاقدمية وحسن السيرة والسلوك بابقاء اولئك في اماكن معينة ولمدة طويلة تتجاوز المسموح به قانوناً من غير سبب موضوعي ، الا رضا المسؤول عنهم وقربهم منه او اعتبارات اخرى لا علاقة لها بالعمل القضائي ، مما يقتضي ان تكون هناك قواعد موضوعية ثابتة وصارمة تحكم نقل القضاة لا ينبغي تجاوزها او القفز عليها عند اصدار الاوامر الخاصة بتنقلات القضاة فيما بين المحاكم والمناطق الاستئنافية المختلفة .
ومن هذه القواعد الموافقة التحريرية للقاضي على النقل وبقائه مدة زمنية في مركزه حماية لاستقراره الوظيفي ، اذ لابد من استقرار القاضي في مركزه لمدة معينة من الزمن قبل اصدار الامر بنقله ، وذلك لان عدم الاستقرار الوظيفي للقاضي يؤثر في ادائه لواجباته القضائية ، ويؤثر في الوقت نفسه على المتقاضين اذ ان تعاقب عدد من القضاة على نظر دعوى معينة في فترة زمنية قصيرة يؤثر حتماً على سير العدالة، مما ينبغي التقليل من اصدار الاوامر بنقل القاضي بشكل مستمر.
وفي العراق لا يجوز نقل القاضي الى وظيفة غير قضائية الا بموافقته التحريرية([62])، ونرى ان موافقة القاضي على النقل في هذه الحالة تفقده الصفة القضائية، ولا يجوز قبول عودته للعمل في القضاء اذا انتهت خدمته غير القضائية لاي سبب ، وذلك من اجل المحافظة على استقلال القضاء وحياديته وعدم استغلال المنصب السابق في الوظيفة غير القضائية للتأثير على نزاهته وحريته في اتخاذ القرارات اللازمة لاداء واجباته القضائية عند عودته للعمل في القضاء .
وعلى وفق المادة (50- اولاً) من قانون التنظيم القضائي رقم 160 لسنة 1979 المعدل لا يجوز ان يعين القاضي من الصنف الرابع في غير الاقضية والنواحي وان لا ينقل القاضي من الصنف الثالث للعمل في محاكم محافظة بغداد .
مما يعني ان القانون المذكور اشترط عمل القضاة من الصنف الرابع والثالث خارج محافظة بغداد ولا يجوز نقل القاضي الى محاكم محافظة بغداد من محاكم المحافظات الاخرى ، الا اذا كان من الصنف الثاني او الاول من اصناف القضاة ، الا انه يجوز بقرار من مجلس القضاء الاعلى استثناء الخريجات والثلاثة الاوائل من المتخرجين في المعهد القضائي في كل سنة من الحكم المشار اليه وتعيينهم في أي مكان بما في ذلك محافظة بغداد([63]) ، لما تحمله محافظة بغداد من خصوصية باعتبارها عاصمة جمهورية العراق وتشكل المركز الرئيسي للنفوذ السياسي والاجتماعي والتجاري في البلاد ، وتوجد فيها المؤسسات الحكومية الكبرى في الدولة مما يقتضي ان يعمل في محاكمها قضاة من ذوي الخبرة والتمرس الطويل في العمل القضائي والمشهود لهم بالكفاءة والاستقلالية الذاتية لاهمية وخطورة المنازعات التي تعرض على محاكمها المختلفة وفي القضايا المدنية والجزائية على السواء .
كما لا يجوز نقل القاضي قبل ان يقضي ثلاث سنوات في مكان واحد من اجل ان نضمن استقرار عمله القضائي ، اذ ان عدم استقرار القاضي في عمله يؤثر سلباً على عطائه وقدرته في تحقيق العدالة ومع هذا يستطيع مجلس القضاء الاعلى نقل القاضي قبل انقضاء الثلاث سنوات وبقرار مسبب اذا تأيد من التقارير الصادرة من اللجان الطبية الرسمية ان حالته الصحية تستدعي نقله او اذا اصبحت ظروفه الوظيفية لا تسمح له بأداء وظيفته في مكان عمله على الوجه الاكمل ، وان بقاءه في مكانه قد يؤثر على سير العدالة([64]).
ومنع القانون بقاء القاضي من الصنف الرابع او الثالث او الثاني من دون نقل اكثر من خمس سنوات واستثنى من وجوب النقل القضاة العاملون في محاكم محافظة بغداد([65]).
ولا يجوز نقل القاضي من المنصب الذي يشغله الى منصب ادنى ، إذ ان النقل الى منصب ادنى سواء من الناحية المادية او الادبية في الواقع ينطوي على عقوبة مقنعة للقاضي([66]).
فضلاً عن انه يؤدي الى التقليل من احترام القاضي الذي يتم نقله الى منصب ادنى في نظر اقرانه واصدقائه وعائلته وما سيتركه من اثر نفسي في داخله لانه يكون مدعاة للتشكيك بقدراته العلمية مما يؤثر سلباً على استقراره في عمله ، ولهذا فأنه من الضروري ان لا تسند المناصب القضائية العليا للقضاة إلا على اسس من الكفاءة والنزاهة والخبرة والتمرس في العمل القضائي .
ثالثاً – انتداب القاضي :
وانتداب القاضي يكون من محكمة الى محكمة اخرى من الدرجة نفسها او من درجة اعلى ، وقد ينتدب القاضي للقيام بأعمال قضائية او قانونية غير العمل القضائي، او بالاضافة الى عمله ، وقد يكون الانتداب في المحكمة نفسها .
ويلاحظ ان القانون يضع قيوداً على انتداب القاضي ويحدده بمدة معينة لا يجوز ان يزيد عليها ، وذلك بقصد حماية القاضي من تسلط السلطة التنفيذية وبما يضمن استقلال القضاة وعدم التأثير في حياديتهم([67]).
وبموجب التشريع العراقي النافذ يجوز انتداب القاضي في محكمة التمييز بموافقته التحريرية وبأمر من مجلس القضاء الاعلى الى وظيفة مستشار قانوني في رئاسة الجمهورية او رئاسة احدى دوائر مجلس القضاء واجهزته او رئاسة هيئة تمييز الاصلاح الزراعي او للتدريس في الجامعة او المعهد القضائي على ان يحتفظ بصفته القضائية([68]).
كما يجوز انتداب القاضي وبموافقته التحريرية وبأمر من مجلس القضاء الاعلى للعمل في دوائر المجلس واجهزته من غير المحاكم ، وعلى ان يحتفظ بصفته القضائية وحقوقه فيها ، وما يستحقه من مخصصات قبل انتدابه وان يراعى في الانتداب ان تتناسب الوظيفة التي يُنتدب إليها مع صنفه([69]).
وينتدب القاضي وبموافقته التحريرية وبأمر من رئيس مجلس القضاء الاعلى للقيام بأعمال الوظائف القانونية في رئاسة الجمهورية ورئاسة الوزراء او في هيئة الاصلاح الزراعي او التدريس في الجامعة او المعهد القضائي على ان يحتفظ بصفته القضائية وحقوقه فيها([70]).
وحدد القانون في الحالتين السابقتين مدة الانتداب بما لا يزيد على ثلاثة سنوات قابلة للتجديد سنة اخرى([71]) ، واشتراط حصول موافقة القاضي التحريرية على انتدابه يفرضه منطق استقلال القضاء الذي يهدف الى حماية القاضي من أي تدخل او تأثير وحتى لا يكون من شأن استعمال صلاحية الانتداب وسيلة لابعاد القاضي من النظر بدعاوى معينة او معاقبته بسبب احكامه او لمحاباته([72]).
ونرى بأن لا ينتدب القاضي الا للاعمال ذات الطابع القضائي او التدريس في الجامعات او المعهد القضائي او للعمل في دوائر واجهزة مجلس القضاء الاعلى ، وبخلاف ذلك يمنع انتداب القاضي لغير العمل القضائي لاسيما العمل في رئاسة الجمهورية او رئاسة الوزراء او غيرها من المؤسسات التابعة للسلطتين التنفيذية والتشريعية ، لان ذلك يعني خضوع القاضي الى تلك السلطات والمؤسسات عند ممارسة عمله مما يؤدي الى المساس باستقلاله وحريته باتخاذ القرارات .
واجاز القانون انتداب القضاة من الصنف الاول بأمر من مجلس القضاء الاعلى وبموافقة رئاسة الجمهورية للعمل في محكمة التمييز ممن تتوفر فيهم شروط التعيين فيها وبما يكمل ثلثي عدد قضاة المحكمة([73]) .
كما يجوز انتداب القاضي للعمل في محكمة اخرى بناءً على متطلبات المصلحة العامة ، وذلك بأمر من رئيس محكمة الاستئناف التي يتبعها القاضي ويتم الانتداب فيما بين المناطق الاستئنافية بأمر من رئيس مجلس القضاء الاعلى ، ويجب ان لا تزيد مدة الانتداب في هذه الحالة على اربعة اشهر([74]) .
ويشهد الواقع العملي في المحاكم ان الانتداب بناء على متطلبات المصلحة العامة يستمر لمدد طويلة جداً تتجاوز ما مسموح به قانوناً ، لاسيما وان (متطلبات المصلحة العامة) والتي تبرر الانتداب ، مصطلح واسع وفضفاض ونخشى استغلال هذه المصلحة للمساس باستقلال القضاة وحياديتهم في العمل وحريتهم في اتخاذ القرارات اللازمة لاداء واجباتهم القضائية ، مما يتوجب ان لا يكون الانتداب في هذه الحالة والحالات الاخرى وسيلة لابعاد القضاة عن نظر دعاوى معينة او معاقبتهم والتنكيل بهم او منح امتيازات للبعض على حساب الآخر ، مما يتطلب مراجعة النصوص القانونية المتعلقة بانتداب القاضي والتدخل لمعالجتها تشريعياً بما ينسجم مع التطور الذي يشهده الجهاز القضائي في ظل استقلاله المطلق عن السلطات الاخرى ، ووضع معايير موضوعية وعلمية تحكم انتداب القاضي لا يجوز مخالفتها وبما يضمن استقلال القضاة وعدم التدخل او التأثير في عملهم .
رابعاً- اعارة القاضي :
لم يعالج قانون التنظيم القضائي رقم 160 لسنة 1979 المعدل مسألة اعارة القاضي للعمل لدى الحكومات الاجنبية والهيئات الدولية بخلاف بعض قوانين السلطة القضائية العربية ، اذ اجازت صراحة اعارة خدمة القاضي للعمل لدى الحكومات الاجنبية والهيئات الدولية([75]).
ولكن طالما ان القانون العراقي لم يمنع صراحة مثل هذه الاعارة ، لذا نرى بأنه يجوز اعارة خدمة القاضي العراقي للعمل لدى الحكومات الاجنبية والهيئات الدولية ، وبأمر من مجلس القضاء الاعلى بشرط استحصال موافقة القاضي على الاعارة .
وان يتولى مجلس القضاء في هذه الحالة تحديد ما يستحقه القاضي من مكافئة كما يجب ان تحدد مدة الاعارة بأربع سنوات مثلاً يجوز تجديدها لمرة واحدة ولمدة سنة وعلى ان تكون الخدمة التي يؤديها القاضي في المجال القضائي حصراً .
خامساً- ترقية القاضي :
ينبغي اخضاع ترقية القاضي الى قواعد قانونية موضوعية وعلمية لاسيما الكفاءة والنزاهة والخبرة([76]) .
اذ ان ذلك يكون مدعاة لاطمئنان القاضي على حقه في الحصول على الترقية التي يستحقها وتناسب قدراته العلمية وخبرته الطويلة في العمل القضائي وتؤهله لتولي المناصب القضائية العليا ، مما يمكنه من اداء رسالته في تحقيق العدالة في جوٍ من الاستقرار النفسي .
ويجب ان يكون مجلس القضاء هو الجهة الوحيدة المعنية بالنظر في استحقاق القاضي للترقية من عدمه ، ومن دون تدخل السلطات الاخرى لاسيما السلطة التنفيذية ضماناً لاستقلال القضاء ومنعاً لتسلط تلك السلطة على القضاة والتحكم بمستقبلهم المهني ، فتؤخر ترقية من لا ترضى عنه من القضاة وتمنحها لمن ترضى عنه لانه ينفذ رغباتها ويتبع هواها .
وفي التشريع العراقي تتم ترقية القضاة بقرار من مجلس القضاء الاعلى بناءً على طلب يتقدم به القاضي الى المجلس ، وبشرط ان ينال راتب الحد الادنى للصنف المراد ترقيته اليه ، وان يكون قد اعدّ بحثاً في موضوع له علاقة بالاختصاصات القضائية او العدلية([77]) .
ويعفى القاضي من تقديم البحث لترقية واحدة اذا حصل على شهادة الماجستير ومن تقديمه لترقيتين متتاليتين ، اذا حصل على شهادة الدكتوراه([78]) .
ويراعى عند النظر في ترقية القاضي تقارير رؤساء المناطق الاستئنافية والمشرفين القضائيين عن كفائته وحسن ادارته وعدد قراراته المصدقة والمنقوضة مع مراعاة اسباب النقض ورأي مجلس القضاء فيما يتعلق بسلوكه وما يوجه له من تقدير وعقوبة([79]).
وعلى وفق ما نصت عليه المادة (46) من قانون التنظيم القضائي ، فإنه يتعين على مجلس القضاء الاعلى عند تقديم القاضي لطلب الترقية ان يستطلع رأي كل من رئاسة محكمة التمييز الاتحادية ورئاسة محكمة الاستئناف ورئاسة هيئة الاشراف القضائي عن كفاءة القاضي واهليته للترقية . والاستعانة بكل هذه الآراء في تقدير اهلية القاضي للترقية وان يأخذ بنظر الاعتبار التقارير السنوية المرفوعة من رؤسائه وتقارير المشرفين القضائيين ، والبحث القانوني الذي قدمه ، والاحكام التي بذل في اصدارها جهداً طيباً او ضمنها اراء قانونية تؤيد متابعته للنشاط الفقهي والقضائي ، ويصدر القرار بترقيته اذا كان اهلاً لها .
وبخلافه تؤجل ترقية القاضي لمدة لا تقل عن ستة اشهر بقرار مسبب يبلغ الى القاضي ويكون قرار المجلس بهذا الشأن نهائياً لا يقبل الطعن وبغية ضمان ان يحصل القاضي على الترقية المطلوبة وعلى وفق ما ينص عليه القانون نرى ان يقرر له المشرع الحق بالطعن بقرار مجلس القضاء المتعلق بتأجيل ترقيته ، وهذا في الواقع ما تقتضيه قواعد العدل والانصاف .
يتضح مما تقدم بأن المشرع العراقي اعتمد معيار الاقدمية والكفاءة عند النظر باستحقاق القاضي للترقية .
سادساً- الاحالة الى التقاعد :
من القواعد التي ينبغي ان تحكم احالة القاضي الى التقاعد عدم تدخل السلطة التنفيذية او اية سلطة اخرى بامر الاحالة وان يترك هذا الامر بالكامل للسلطة القضائية ممثلة في مجلس القضاء لتقرير مدى استحقاق القاضي للاحالة الى التقاعد .
وان لا يطبق على القاضي عند احالته الى التقاعد وبعدها وبشأن حقوقه التقاعدية ، قوانين الخدمة المدنية والتقاعد المدني التي تطبق على موظفي الدولة الاخرين ، اذ يجب ان تطبق في هذه الحالة قواعد خاصة ينظمها قانون السلطة القضائية او أي قانون اخر يصدر لتنظيم عمل تلك السلطة والمؤسسات التابعة لها .
وذلك من اجل ضمان استقلال القضاء وعدم التدخل في شؤونه وعدم اخضاع القضاة للتأثير او الضغط من اية جهة كانت اثناء ممارسة عملهم القضائي وبما يؤدي الى ارهابهم او فرض ارادة السلطات الاخرى عليهم بقصد الاخلال بسير العدالة عن طريق اخراج القضاة الذين لا يخضعون لتلك الارادات من الخدمة القضائية .
ويحال القاضي الى التقاعد في التشريع العراقي عند اكماله الثالثة والستين من عمره([80])، او لاسباب صحية جراء عجزه عن اداء واجباته بتقرير من لجنة طبية رسمية مختصة ويستحق القاضي عند احالته للتقاعد في الحالتين المذكورتين راتباً تقاعدياً بنسبة ثمانين من المائة مما يتقاضاه اقرانه ممن هم في الخدمة من راتب ومخصصات .
كما يحال القاضي الى التقاعد بناءً على طلبه اذا كانت خدمته في القضاء لا تقل عن ثلاثين سنة ويستحق في هذه الحالة راتباً تقاعدياً بنسبة ثمانين من المائة مما كان يتقاضاه من راتب ومخصصات في الشهر الاخير من خدمته([81]).
ونعتقد بأنه لا يوجد أي مبرر قانوني يستوجب انقاص راتب القاضي عند احالته الى التقاعد ، وذلك لان توفير الحياة الكريمة للقاضي بما يحفظ كرامته ويصون هيبة القضاء واستقلاله مطلوب للقاضي في اثناء الخدمة وبعد الاحالة الى التقاعد لكي لا يضطر تحت ضغوط الظروف المعاشية الصعبة في ضوء التطورات المتسارعة التي يشهدها العالم في مجالات الاقتصاد والتجارة والسلع والخدمات وارتفاع اسعارها المستمر لممارسة بعض الاعمال التي لا تأتلف وكرامة القضاء .
وبموجب قانون تمديد خدمة القضاة رقم (39) لسنة 2012 يستطيع مجلس القضاء الاعلى تمديد خدمة القاضي الذي اكمل الثالثة والستين من عمره وبموافقته التحريرية للمدة التي يقررها المجلس وحتى اكمال السادسة والستين من العمر بناءً على الحاجة وبتقرير طبي يؤيد قدرته البدنية والذهنية ويسري هذا الحكم على رئيس محكمة التمييز الاتحادية ونوابه واعضاء المحكمة حتى اكمال اياً منهم الثامنة والستين من عمره.
كما يستطيع مجلس القضاء الاعلى وحسب سلطته التقديرية وبقرار مسبب ان يُحيل القاضي الى التقاعد قبل انتهاء مدة تمديد الخدمة ، وللقاضي قبل انتهاء هذه المدة ان يقدم طلباً للاحالة الى التقاعد ، وعندئذٍ يقرر المجلس احالته الى التقاعد بمجرد تقديمه الطلب .
ونرى ان اشتراط حصول القاضي على تقرير من لجنة طبية لبيان مدى اهليته البدنية والذهنية لتمديد خدمته ، فيه اهدار لكرامته ومساس باعتباره الاجتماعي وتقديره الادبي بين ذويه واصدقائه واقرانه من القضاة ، لاسيما اذا ما قررت اللجنة عدم اهليته للاستمرار بالخدمة وما يتركه هذا القرار من تأثير نفسي ، وشعور باليأس والاحباط سواء لدى القاضي المتقاعد والقضاة الذين لا زالوا في الخدمة .
لذا كان من الافضل ان يحدد المشرع سن معينة للاحالة الى التقاعد كأن تكون ثمانية وستين او سبعين سنة ، ويمنح القاضي الذي يبلغ ستين سنة مثلاً الحق بتقديم طلب للاحالة الى التقاعد اذا وجد انه غير قادر على الاستمرار بالعمل في القضاء ، عندئذٍ يقرر مجلس القضاء احالته الى التقاعد فور تقديمه طلب الاحالة ، وبهذا نحفظ كرامة وهيبة القاضي ونصون سمعة القضاء .
وتقام الدعاوى بالحقوق التقاعدية للقضاة لدى لجنة شؤون القضاة المؤلفة من ثلاثة اعضاء على وفق ما نصت عليه المادة (43) من قانون التنظيم القضائي رقم 160 لسنة 1979 المعدل ، وتكون قرارات اللجنة في هذه الدعاوى قابلة للطعن فيها امام الهيئة الموسعة في محكمة التمييز الاتحادية خلال ثلاثين يوماً من تاريخ التبلغ بالقرار ، وقرار الهيئة الموسعة في هذا الشأن نهائياً ، ويستطيع الطعن بقرارات اللجنة كل من مجلس القضاء او القاضي الذي صدر القرار ضده .
الفصل الثالث
ضمانات القاضي
يتصف عمل القاضي بطبيعته بالحياد والاستقلالية مما يقتضي حمايته من التأثر بعواطفه ومصالحه الشخصية بهدف ضمان حياديته وعدم انحيازه الى احد الخصوم على حساب الاخر في النزاع المعروض عليه .
وفي الوقت نفسه حمايته من المطالبات الكيدية التي قد تقدم ضده سواء من الافراد او الحكومة بشأن الاحكام التي يصدرها في القضايا المرفوعة اليه وتستهدف تلك المطالبات المساس باستقلاله واخضاعه للضغوطات اثناء ممارسة عمله القضائي بقصد تحريفه عن مساره الصحيح لصالح هذه الجهة او تلك .
ومن هذا المنطلق نجد ان المشرع وضع قواعد قانونية تضمن عدم انحياز القاضي او تأثره بعواطفه ومصالحه الشخصية كما تضمن عدم مساءلته مدنياً وجزائياً وانضباطياً عن الاحكام التي يصدرها الا في الحدود التي رسمها القانون وبالطريقة والكيفية التي حددها .
وبغية إيضاح تلك القواعد فقد قسمنا هذا الفصل إلى مبحثين ، الأول نتكلم فيه عن ضمانات حياد القاضي ، وخصصنا المبحث الثاني للكلام عن ضمانات مساءلته .
المبحث الأول
ضمانات حياد القاضي
من الواجبات التي يقتضي التزام القاضي بها اثناء اداء عمله القضائي ان يكون محايداً ومتجرداً من اية دوافع شخصية او عاطفية وان لا يتأثر فيما يقضي به بروابط المصلحة او الصداقة او القرابة او العداوة .
الا ان القاضي وبحكم كونه انسان وليس مجرد آلة فلا يمكن تجريده بالكامل من عواطفه ومشاعره واحاسيسه او التأثر بعلاقاته وروابطه ضمن محيطه الاجتماعي.
ولهذا نجد ان المشرع وضع قواعد اساسية تضمن حياد القاضي وعدم انحيازه عند الفصل في النزاع المعروض عليه وتهدف الى حمايته من التأثر بعواطفه ومشاعره وعلاقاته وروابطه الاجتماعية التي تربطه بالاخرين ضمن محيطه الانساني.
والحالات التي تؤثر في حياد القاضي منها ما يجعله غير صالح للنظر في الدعوى أصلاً ، ومنها ما يبرر للخصوم طلب رده عن نظرها ، واحياناً يستشعر القاضي الحرج من نظر الدعوى لاسباب خاصة به تؤثر في حياده وسنتناول هذه الحالات بالتفصيل بالفقرات الاتية :
اولاً – عدم صلاحية القاضي :
ويقصد بعدم صلاحية القاضي عدم اهليته بقوة القانون للنظر في الدعوى اذا توافرت اسباب معينة تؤثر في حياده ، فاذا نظرها على الرغم من توافر تلك الحالات كان حكمه باطلاً ، ولو صدر بناءً على اتفاق الخصوم أو لم يكونوا قد تمسكوا بالاسباب التي تمنع القاضي من نظر الدعوى قبل اصدار الحكم فيها .
وذلك لان أسباب عدم الصلاحية من الوضوح بحيث لا يمكن ان تخفى على القاضي كما يغلب معها الظن بأنه لم يكن حيادياً عندما نظر الدعوى وفصل فيها([82]).
وعدم الصلاحية تختلف عن رد القاضي ، ففي حالات عدم الصلاحية يكون القاضي غير أهل للحكم في الدعوى . اما في حالات الرد فأنه يكون اهلاً لذلك ، ولكن أجاز القانون للخصوم طلب رده عن نظرها اذا ما توافر احد اسباب الرد التي نص عليها القانون فإذا لم يطلبوا رده كان حكمه صحيحاً([83]).
كما ان اسباب عدم الصلاحية تتعلق بالنظام العام وعلى القاضي ان يمتنع عن نظر الدعوى من تلقاء نفسه اذا توافر سبب من اسباب عدم الصلاحية ، ولو لم يطلب الخصوم رده ، وان يعرض الامر على رئيسه لتعيين قاضٍ اخر بدلاً عنه لاكمال النظر في الدعوى .
فإذا نظر القاضي الدعوى واغفل السبب الذي يمنعه من نظرها او اتخذ اية اجراءات فيها ، او اصدر حكمه في الدعوى فإن هذا الحكم يفسخ او ينقض بحسب الاحوال وتبطل الاجراءات التي اتخذها في الدعوى .
اذ ان طريق تصحيح هذا الحكم تكون بالطعن يه بالطرق التي حددها القانون للطعن بالاحكام القضائية ، كما ان القاضي يعرض نفسه للعقوبات الانضباطية لانه وضع نفسه موضع التهمة وجعل استقامته محلاً للشك والريبة.([84])
اما حالات الرد فهي ليست من النظام العام ؛ لانها اقل تأثير في حياد القاضي، ولا تمنعه من نظر الدعوى اذا لم يتم رده عنها ، ولهذا اوجب المشرع ان يقدم طلب الرد قبل الدخول في اساس الدعوى وإلاّ سقط الحق فيه([85]).
والاسباب التي تجعل القاضي غير اهل للحكم في الدعوى قد وردت في القانون على سبيل الحصر فلا يجوز التوسع فيها او القياس عليها وهي :
1. القرابة او المصاهرة بين القضاة :
منع القانون اشتراك القضاة في هيئة قضائية واحدة اذا كانت بينهم مصاهرة او قرابة لغاية الدرجة الرابعة ، كما منع القاضي ان ينظر طعناً في حكم اصدره قاضٍ آخر تربطه به العلاقة المذكورة([86]).
ويستهدف المشرع في هذه الحالة ضمان استقلال القاضي في رأيه اثناء نظر الدعوى حتى لا يتأثر برأي قريبه او صهره ولو كان رأيهما معاً يشكل أقلية في الهيئة التي تنظر الدعوى([87]) .
2. القرابة او المصاهرة مع احد الخصوم :
اذ يكون القاضي غير صالح لنظر الدعوى اذا كان زوجاً او صهراً او قريباً لاحد الخصوم ولغاية الدرجة الرابعة([88]) ، وعلة عدم الصلاحية في هذه الحالة واضحة اذ ترجح ان يفقد القاضي حياده ويميل الى احد الخصوم على حساب الاخر مع وجود تلك القرابة او المصاهرة .
ويمتد اثر علاقة المصاهرة في جعل القاضي غير صالح لنظر الدعوى حتى بعد انقضاء العلاقة الزوجية التي كانت سبباً في المصاهرة ، وذلك لان انقضاء العلاقة الزوجية لا يعني انهاء آثارها بالكامل والواقع يشهد ببقاء روابط امتدت الى ما بعد انقضاء العلاقة الزوجية ، كما ان المشرع لم يشترط في علاقة المصاهرة ان تكون الزوجية قائمة فلا يجوز التوسع بطلب ذلك([89]).
3.الخصومة :
ان وجود خصومة للقاضي أو زوجته أو احد أولاده او احد أبويه مع احد الطرفين أو مع زوجته أو احد أولاده أو احد أبويه تجعل القاضي غير أهل للنظر بالدعوى والفصل فيها إذ يكون محلاً للتجريح بنزاهته واتهامه بالانحراف عن العدالة والتشكيك في حياده .
ويشترط لعدم صلاحية القاضي في هذه الحالة شروط ثلاثة :
الأول : ان تكون الخصومة قضائية بوجود دعوى معروضة على القضاء بين القاضي واحد اطراف الدعوى التي ينظرها او بينه وبين احد من افراد اسرته الذين نص عليهم القانون .
ولا يعد من قبيل الخصومة تقديم طلب لرد القاضي عن نظر الدعوى وان كان طلب الرد يوقف القاضي عن نظرها الى ان يفصل فيه نهائياً .
الثاني : ان تكون الخصومة قد نشأت قبل اقامة الدعوى وان تستمر حتى اقامتها ، فان انتهت قبل اقامة الدعوى فلا تعد سبباً لعدم صلاحية القاضي لنظر الدعوى([90]).
ولا يعتد بالخصومة التي تحدث بعد إقامة الدعوى الأصلية سواء تعلقت بالدعوى نفسها او بغيرها ، ولكن اذا رفع القاضي دعوى على الخصوم ولو أثناء نظره للدعوى الأصلية فأن ذلك من شأنه ان يجعل القاضي غير صالح لنظر الدعوى الأصلية .
الثالث : ان تكون الخصومة جدية وليست مفتعلة من جانب الخصم بقصد منع القاضي من نظر الدعوى حتى لا يلجأ الخصوم الى هذا الاسلوب بغية إقصاء القضاة من النظر في قضاياهم ولذلك فإن اعتداء احد الخصمين على القاضي بعد اقامة الدعوى لا يشكل سبباً لرده ومنعه من نظرها([91]) .
4.الوكالة او الوصاية او القوامة او الوراثة الظاهرة لاحد الخصوم .
اذا كان القاضي وكيلاً عن احد الخصوم في اعماله الخاصة او وصياً عليه او قيماً او وارثاً ظاهراً له او كانت له صلة قرابة او مصاهرة للدرجة الرابعة بوصي احد الخصوم او بالقيم عليه او بأحد اعضاء مجلس ادارة الشركة التي هي طرف في الدعوى او احد مديريها ، ففي هذه الحالات جميعها يكون القاضي ممنوعاً من نظر الدعوى والفصل فيها([92]).
اذ يخشى من ان يتأثر القاضي بعاطفته او قرابته او بكونه وكيلاً او وصياً او قيماً على احد الخصوم ، مما يؤدي به الى الميل والانحياز الى ذلك الخصم والحكم لصالحه على حساب الخصم الاخر ويشترط ان تكون الوكالة او الوصاية او القوامة او الصفة قائمة عند نظر الدعوى .
5. القرابة والمصاهرة مع وكيل احد الخصوم :
ان القرابة والمصاهرة حتى الدرجة الرابعة بين القاضي ووكيل احد الخصوم تجعل القاضي غير أهل لنظر الدعوى ، ويشترط في هذه الحالة ان يكون التوكيل سابق لقيام القاضي بنظر الدعوى ، فإذا كان لاحقاً فلا يعتد بالوكالة منعاً للتحايل الذي يستهدف تنحية القاضي عن نظر دعوى معينة بعد ان يكون قد نظرها بالفعل اذ قد يعمد احد الخصوم الى توكيل محامٍ له صلة قرابة او مصاهرة بالقاضي المذكور([93]) .
6.المصلحة :
لا يجوز للقاضي ان ينظر الدعوى اذا كانت له او لزوجه او لاصوله او لأزواجهم أو لفروعه او ازواجهم ، او لمن يكون هو وكيلاً عنه او وصياً او قيماً عليه مصلحة في الدعوى القائمة([94]).
إلاّ ان المشرع لم يحدد نوع المصلحة التي تجعل القاضي غير صالح للنظر في الدعوى ولهذا يمكن ان تكون هذه المصلحة مادية او اقتصادية ، وكذلك المصلحة الأدبية([95]).
7. ابداء الرأي في الدعوى :
لا يكون القاضي صالحاً للنظر في الدعوى إذا كان قد أفتى أو ترافع فيها عن احد الطرفين ، أو كان قد سبق له نظرها قاضياً أو خبيراً أو محكماً أو كان قد أدى شهادة فيها([96]).
والعلة في ذلك ان تحقق واحدة من الحالات المذكورة في الدعوى قد تحمل القاضي على ان يتمسك برأيه الذي سبق له ان ابداه ولو كان مخالفاً للعدالة او الحكم القانوني السليم([97]).
ويجب ان يكون ابداء الرأي في الدعوى قاطعاً في موضوعها او في احدى جزئياتها لان هذا الرأي هو الذي يعبر عن عقيدة القاضي في الدعوى قبل استكمال إجراءاتها الاصولية وتقدير كامل الادلة ووجهات النظر القانونية المطروحة فيها مما يجعل الاستمرار في نظرها لا فائدة من ورائه .
لذا فإن تقدير المحكمة للدليل المقدم اليها سلفاً واعطاء الرأي حوله يشكل ابداء للرأي في احدى جزئيات الدعوى يمتنع معه على القاضي الاستمرار بنظرها ، الا انه لا يعد ابداء للرأي ان تتوالى احكام القاضي على مبدأ معين يقوم بتطبيقه في دعاوى مماثلة([98]).
وابداء الرأي المانع من نظر الدعوى يأخذ عدة صور عددتها المادة 91/5 من قانون المرافعات المدنية ، وهي :
أ- الافتاء :
ويقصد به ابداء الرأي في موضوع الدعوى بناءً على استفتاء يوجه الى القاضي من الخصوم او الغير ، او عن طريق احدى الجهات الاعلامية . فإذا افتى القاضي في موضوع النزاع قبل نظر الدعوى او اثناء السير فيها وجب عليه ان يمتنع عن نظرها او اكمال الفصل فيها .
لان الافتاء في هذه الحالة يكون معبراً عن وجهة نظر القاضي بالحكم بالدعوى قبل استكمال البينات وسماع اقوال ودفوع الطرفين بشأنه فلا يستطيع ان يحكم بعدئذٍ بالدعوى بتجرد وحياد بمعزل عن وجهة نظره التي سبق ان افتى بها والافتاء قد يشمل موضوع الدعوى المعروضة عليه بالكامل او جزء منه بحسب الاحوال([99]) .
ب- المرافعة :
ان الترافع عن احد الخصوم في الدعوى بصفة محامي او موظف حقوقي او في الاحوال الاخرى التي يجيز فيها القانون الترافع عن الاقارب تمنع القاضي من نظر الدعوى إذا عرضت عليه بعد اشتغاله بالقضاء ، ولا يشمل هذا المنع ترافع القاضي او كتابته لائحة دفاعية عن احد الخصوم في دعوى مماثلة ، فالمنع يجب ان يكون نتيجة قيام القاضي بالترافع في الدعوى المعروضة عليه للفصل فيها([100]).
والعلة في منع القاضي من نظر الدعوى في هذه الحالة ان الترافع عن احد الخصوم فيه مظهر من مظاهر الميل والتعاطف مع ذلك الخصم ، عندما كان القاضي وكيلاً له وسواء اكان قد تقاضى مقابل هذا العمل اجراً ام لا ، لأن مجرد المرافعة تشير الى عدم الحياد([101]).
جـ- الكتابة في الدعوى :
يمتنع على القاضي ان ينظر الدعوى اذا سبق له ان كتب بها بحثاً او تعليقاً يؤدي الى تكوين رأي فيها ، ولكن لا يمتنع عليه نظرها اذا كان قد ابدى رأيه في مؤلف قانوني او في بحث علمي في نقاط قانونية مجردة ، ولو كان لها علاقة بالدعوى ، والا كان منعه من النظر في الدعوى يشكل عائقاً امام حريته الفكرية في البحث والاجتهاد([102]).
د- سبق نظر الدعوى قاضياً او خبيراً او محكماً :
منع القانون القاضي من نظر الدعوى اذا كان قد سبق له ان نظرها قاضياً او خبيراً او محكماً ، فالقاضي الذي نظر الدعوى في محكمة البداءة وفصل فيها بحكم حاسم لا يجوز له ان ينظرها في مرحلة الاستئناف او التمييز ، وكذلك القاضي الذي نظر الدعوى بصفته (محكماً) لا يجوز له اذا عرضت عليه فيما بعد ان يفصل بها بصفته قاضياً لانه سبق ان ابدى رأيه فيها .
اما اذا فصل القاضي في احد الدفوع التي يتقدم بها الخصوم اثناء سير المرافعات وقبل الفصل في موضوع الدعوى بحكم حاسم كالدفع بالاختصاص او قبول الدعوى الحادثة ، او اتخاذه أي اجراء من اجراءات الاثبات بغية حسم الدعوى والوصول للحكم العادل في القضية كاجراء المعاينة او انتداب خبير او سماع اقوال الشهود ، فإن ذلك لا يمنعه من الاستمرار بنظر الدعوى طالما كان قراره لا يفهم منه وجهة نظره النهائية بشأن موضوع الدعوى .
ولا يعد القاضي قد ابدى رأياً يمنعه من نظر الدعوى والفصل فيها مرة اخرى فيما لو نقضت محكمة التمييز الحكم الذي اصدره واعادت الدعوى الى محكمته لاتباع ما ورد بقرار النقض واصدار حكم جديد بها في ضوء ما رسمه قرار محكمة التمييز.
وذلك لان الطعن بالحكم هو الطريق الذي حدده القانون لتصحيح الاخطاء التي تقع في الاحكام القضائية وان المشرع لم ينص صراحة على منع القاضي من النظر في الدعوى مجدداً بعد نقض الحكم الذي اصدره اول مرة ، كما ان الحالات التي يتم فيها تعيين قاضٍ آخر للنظر في الدعوى محددة في القانون ، ولا يجوز التوسع فيها او القياس عليها ، فضلاً عن ان الزام القاضي باتباع قرار النقض لا يتعارض مع استقلال القضاء ولا يشكل تدخلاً بشؤونه طالما ان القانون سمح بذلك لاسيما وان قرارات النقض التي تصدرها محكمة التمييز ليست واجبة الاتباع مطلقاً وفي جميع الاحوال ، إذ تملك محكمة الموضوع في بعض الاحيان الاصرار على حكمها السابق([103]).
ولا يكون مانعاً من نظر الدعوى ، ان ينظر القاضي في الوقت نفسه دعوى اخرى تماثلها في الوقائع والمبادئ القانونية .
كما لا يمتنع القاضي من نظر الدعوى سواء في مرحلة الاستئناف او التمييز اذا كان قد اتخذ فيها عندما نظرها في المرحلة الاولى احد اجراءات الاثبات او أي من القرارات الاعدادية التي يجوز له الرجوع عنها اثناء سير المرافعات ، طالما لم يصدر في الدعوى حكم حاسم يتكون من خلاله رأيه النهائي بموضوعها .
والخبير التي عرضت عليه الدعوى وقدم فيها خبرته الفنية لا يجوز له ان ينظرها فيما بعد بصفته قاضياً .
هـ- اداء الشهادة في الدعوى :
اداء الشهادة في دعوى معينة تعني الادلاء بوقائع تتعلق بتلك الدعوى ، ولهذا يمتنع على القاضي ان ينظر في دعوى كان قد ادى فيها شهادة لمصلحة احد الخصوم ، لان الحكم فيها بعد اداء الشهادة يكون حكماً بعلمه الشخصي ، وهذا غير جائز قانوناً([104]) .
ثانياً – رد القاضي :
ويقصد برد القاضي منعه من الحكم في الدعوى اذا توافرت حالة من حالات الرد التي ينص عليها القانون وهي حالات تستهدف ضمان حياد القاضي وعدم انحيازه لاحد الخصوم وابعاده عن التأثيرات الشخصية والمصلحية اثناء نظر الدعوى.
وحالات رد القاضي وردت بالمادة (93) من قانون المرافعات المدنية رقم 83 لسنة 1969 المعدل ، وهي اقل خطراً على حياد القاضي من حالات عدم الصلاحية ، ولهذا فهي لا تعد من النظام العام بخلاف حالات عدم الصلاحية ، ويستطيع القاضي معها ان يستمر بنظر الدعوى والحكم فيها اذا لم يطلب الخصوم رده ، ولم يتنحى هو عن نظرها بسبب استشعاره الحرج وحالات رد القاضي في ضوء التشريع العراقي هي :
1.اذا كان احد الطرفين مستخدماً عند القاضي او كان هو قد اعتاد مؤاكلة احد الطرفين او مساكنته ، او كان قد تلقى منه هدية قبل اقامة الدعوى او بعدها .
والمستخدم هو كل من يعمل لدى القاضي سواء بأجر او من دون اجر كالخادم في مسكنه وسائق سيارته الشخصية([105]).
والمؤاكلة يقصد بها تكرار الاشتراك على مائدة واحدة اياً كان صاحب الدعوة القاضي ام الخصم ام الغير ، اما الاجتماع العارض على مائدة فلا يُعد مؤاكلة كالاجتماع حول مائدة في حفل زواج .
واعتياد المساكنة يعني تكرار الاقامة المشتركة ، فلا يكفي اقامة القاضي مع احد الخصوم في عمارة واحدة كل في شقة مستقلة .
ولا يشترط في قبول الهدية ان يتم بطريقة مباشرة بين القاضي والخصم إذ بالامكان تقديمها بطريقة غير مباشرة ، كأن تقدم الى زوجته او احد اقاربه متى كان الهدف توصيلها الى القاضي ، كما قد يتم توصيل الهدية للقاضي عن طريق شخص آخر غير الخصم ولا يشترط ان يتوافر في هذا التصرف شروط جريمة الرشوة .
واشترط المشرع ان يكون قبول القاضي للهدية قد تم قبل رفع الدعوى او بعده فإذا كانت الهدية قدمت قبل رفع الدعوى فأنه يلزم ان تكون قبل هذا التاريخ بوقت قصير بحيث يكون اثرها ما زال قائماً في نفس القاضي .
ويلاحظ ان الحالات السابقة تُعد اسباباً لقيام علاقة الود والصداقة بين القاضي واحد الخصوم وهو ما يخشى معه ميل القاضي لصالح ذلك الخصم([106]).
2. اذا كان بينه وبين احد الطرفين عداوة او صداقة يرجح معها عدم استطاعته الحكم بغير ميل .
وتندرج تحت هذه الحالة كل علاقة بين القاضي واحد الخصوم من شأنها ان تترك بينهما عداوة او صداقة ، وان لم تكن شديدة او عميقة ، اذ ورد النص بصيغة عامة ، لكي يشمل كل علاقة يرتبط بها القاضي مع احد الطرفين وان لم تكن ناشئة عن احد الاسباب المتعلقة بعدم الصلاحية او الرد التي نص عليها القانون . فالمشرع لم يشترط لقيام العداوة او الصداقة والتي يجوز معها رد القاضي لانها ترجح عدم استطاعته الحكم بغير ميل ، ان تكون هناك خصومة قضائية او قرابة او رابطة من أي نوع بين القاضي واحد اطراف الدعوى اذ ان وجود العداوة والصداقة متروك تقديره للجهة التي تفصل بطلب الرد .
الا ان العداوة او الصداقة التي تصلح سبباً لرد القاضي هي التي تكون مبنية على اعتبارات شخصية بين القاضي واحد الخصوم وليس تلك القائمة على اتفاقات او خلافات فكرية او سياسية او مذهبية([107]).
3.ابداء الرأي في الدعوى قبل الاوان :
ونحيل بشأن هذه الحالة على ما سبق ان اوضحناه عن الكلام في عدم صلاحية القاضي للنظر في الدعوى اذا كان قد افتى بها قبل الاوان لاتحاد العلة بين الحالتين . ولهذا يفضل ان تكون هذه الحالة من ضمن حالات عدم صلاحية القاضي للنظر بالدعوى والحكم فيها بقوة القانون وليس ضمن حالات الرد الجوازي .
ولا يترتب على توافر حالة من حالات الرد ان يصبح القاضي غير صالح للنظر بالدعوى بقوة القانون ، انما يتوجب على الخصم الذي يدعي وجود اسباب يخشى معها عدم حياد القاضي وانحيازه الى الخصم الآخر ان يتقدم بطلب لرده عن نظر الدعوى على وفق الاجراءات والمواعيد المنصوص عليها بالقانون .
كما يستطيع القاضي ان يتنحى عن نظر الدعوى اذا استشعر حرجاً من الفصل فيها ، فإذا لم يقدم طلب الرد ولم يتنحى القاضي عن نظرها فالحكم الذي يصدر عنه في الدعوى يكون صحيحاً ولا يجوز لأحد ان يطعن به بناءً على توافر حالة من حالات الرد حتى وان كانت تلك الحالة موجودة بالفعل([108]).
وعلى وفق ما تنص عليه المادة (95) من قانون المرافعات المدنية رقم 83 لسنة 1969 المعدل ، يجب تقديم طلب الرد قبل الدخول في اساس الدعوى ، والا سقط الحق فيه . ويجوز تقديمه بعد ذلك اذا استجدت اسبابه او اثبت طالب الرد انه لم يكن يعلم بها ، وذلك لان طلب الرد ليس من النظام العام فلا يجوز اثارته في كل مرحلة من مراحل الدعوى ، انما قبل الدخول في اساسها والا سقط الحق فيه ، ولا يجوز ان يكون سبباً للطعن بالحكم ولا يجوز ان يقدم امام محكمة الاستئناف او التمييز اذا لم يقدم امام محكمة البداءة .
وذلك من اجل قطع الطريق على المتربصين بالقضاء والمشككين بعدالته ونزاهته بافتعال اسباب غير حقيقية ولا وجود لها بقصد ابعاد قاضي معين عن نظر الدعوى او لمجرد اطالة امد النزاع بهدف الكيد للخصوم .
وبناءً عليه يتوجب على طالب الرد اذا كان مدعياً ان يقدم طلبه قبل الدخول في موضوع الدعوى ، اما اذا كان مدعى عليه فيتعين ان يقدم طلبه قبل الدخول في المرافعة ، واذا نشأ سبب الرد عن حادث وقع بعد الدخول في الموضوع او المرافعة فيتعين لقبول طلب الرد ان يتقدم به طالب الرد في اول جلسة تلي هذا الحادث .
اذ لا يجوز تأخير تقديم الطلب الى ما بعد فوات هذه المواعيد لان رد القاضي شرع اصلاً لمصلحة الخصم ويجب ان يمارسه ضمن القيود والمواعيد التي نص عليها المشرع والا سقط الحق فيه([109]).
وقد حددت المادة (96) من قانون المرافعات المدنية اجراءات تقديم طلب رد القاضي والمحكمة المختصة بالفصل فيه ، اذ اوجبت ان يقدم طلب الرد بعريضة الى القاضي المطلوب رده اذا كانت المحكمة مشكلة من قاضٍ واحد ، اما اذا كانت المحكمة مشكلة من هيئة عندئذٍ يقدم طلب الرد الى رئيس الهيئة اذا كان المطلوب رده رئيسها او احد اعضائها .
ويجب ان تشتمل العريضة على أسباب الرد ، ويرفق بها طالب الرد ما لديه من أوراق تؤيد طلبه ، ويترتب على تقديم طلب الرد عدم استمرار القاضي او الهيئة في نظر الدعوى حتى يفصل في الطلب .
وعلى القاضي المطلوب رده الإجابة كتابة على وقائع طلب الرد وأسبابه خلال الايام الثلاثة التالية لتقديم الطلب ، وترسل الأوراق (الطلب وإجابة القاضي مع اضبارة الدعوى) الى محكمة التمييز الاتحادية للبت فيه بصورة مستعجلة .
فإذا قررت محكمة التمييز الاتحادية رد القاضي توجب عليها ان تعين قاضياً بدله لاكمال النظر بالدعوى ، أما إذا قررت رد الطلب عندئذٍ يستأنف القاضي او الهيئة النظر في الدعوى والحكم فيها .
وإذا رأت محكمة التمييز الاتحادية رد الطلب فانها تقرر تغريم طالب الرد بغرامة لا تقل عن ألف دينار ولا تزيد على خمسة آلاف دينار([110]).
واذا قدم المردود طلبه طلباً آخر لرد القاضي نفسه في الدعوى عينها ، فإن القاضي يستمر في نظر الدعوى ويرسل إجابته مع الطلب إلى محكمة التمييز الاتحادية للبت فيه .
وإذا قررت المحكمة رد الطلب قررت تغريم طالب الرد ما لا يقل عن ضعف الغرامة التي قررتها في قرارها السابق برد الطلب الأول من دون التقيد بالحد الأعلى الذي سبق الإشارة إليه .
ثالثاً- التنحي الذاتي :
أجاز المشرع للقاضي ان يتنحى من تلقاء نفسه إذا استشعر الحرج من نظر الدعوى ، إذ نصت المادة (94) من قانون المرافعات المدنية على انه " يجوز للقاضي اذا استشعر الحرج من نظر الدعوى لاي سبب ان يعرض امر تنحيه على رئيس المحكمة للنظر في اقراره على التنحي" ، إلاّ ان المشرع لم يحدد المقصود بالحرج ولم يبين حالاته التي تبرر للقاضي ان يطلب التنحي من النظر في الدعوى .
ولهذا يمكن القول ان الحرج هو الحالة التي يكون معها القاضي غير قادر على الفصل في الدعوى بحياد او من غير انحياز فيشعر بتأنيب الضمير اذا ما اصدر الحكم فيها بسبب وجود مؤثرات خارجية تجعله غير محايد او منحازاً فيما يقضي به لاحد اطراف الدعوى .
ومتى ما شعر القاضي ان قيامه بنظر الدعوى والحكم فيها سيؤدي الى المساس بضميره وخرق مبادئ العدالة في وجدانه جاز له ان يتنحى عن اكمال النظر في الدعوى ، كما لو كان احد الخصوم صديقاً له او توسط لديه احد اقاربه او رؤسائه في العمل او تلقى امراً من اية جهة للتصرف بالدعوى على نحو معين .
فالتنحي اذن يستهدف بث الاطمئنان في نفوس المتقاضين على حقوقهم المتنازع عليها ويشعرهم بأن الحكم الذي سيصدر في الدعوى بعيد عن كل تأثير ويمثل جوهر العدالة ونزاهة القضاء ، ويستهدف في الوقت نفسه اراحة ضمير ووجدان القاضي وتحريره من أي عبء يحول من دون حياده وموضوعيته في قضائه ، ولو لم يكن سبب تنحيه راجع لاحد الأسباب المتعلقة بعدم الصلاحية او الرد ، مما يجعل نطاق التنحي في هذه الصورة يتسع لعدد غير محدد من الحالات اذ يشمل كل ما يمكن ان يكون مصدراً للحرج([111]).
والتنحي الذاتي جوازي للقاضي ومتروك تقديره لضميره فان لم يتنحى عن نظر الدعوى فلا يجوز لاي من الخصوم طلب تنحيه ، وان الحكم لذي يصدر عنه يعد حكماً صحيحاً ، وعلى القاضي ان اراد التنحي عن الدعوى ان يعرض امر تنحيه على رئيس محكمة الاستئناف التي يتبعها لاقراره على امر التنحي حتى لا يكون التنحي وسيلة لعدم اداء القاضي لواجبه في الحكم بالدعوى([112]).
ولهذا نعتقد انه من الضروري ان يبين القاضي عند اتخاذه القرار بالتنحي عن نظر الدعوى ، الاسباب التي دعته لاتخاذ مثل هذا القرار بغية اطلاع رئيس المحكمة عليها وفيما اذا كانت معقولة ومنطقية وتبرر للقاضي التنحي عن نظر الدعوى لكي يتمكن من اقراره على امر التنحي ، وبخلافه يرفض تنحي القاضي([113]) .
المبحث الثاني
ضمانات مساءلة القاضي
تقتضي حماية القاضي وضمان استقلاله وحسن اداء عمله والمحافظة على هيبة القضاء وصيانة كرامته وتوفير الاحترام والتقدير الادبي للقاضي امام المؤسسات الحكومية والمواطنين ، عدم مسؤوليته عن الاحكام والقرارات التي يصدرها اثناء قيامه بواجباته القضائية ومهما شابها من اخطاء ، وسواء كانت هذه المسؤولية مدنية او جزائية او تأديبية . وذلك لان الاخطاء التي تقع من القاضي في الاحكام القضائية يتم تصحيحها بالطعن بها بطرق الطعن القانونية امام المحكمة التي اصدرتها او محمكة اعلى عن طريق الاستئناف او التمييز .
واذا ما سمحنا لاي سلطة او جهة ادارية في الدولة ان تحاسب القاضي على اخطائه التي يرتكبها في الاحكام التي يصدرها ، فإن ذلك سيؤدي حتماً الى ان يفقد القضاء استقلاله واستقلال القضاء هو الضمان النهائي لحقوق الافراد وحرياتهم ، فضلاً عما سيتركه من تأثير سلبي على ثقة المتقاضين بالقضاء ، والتقليل من الاحترام الواجب للقضاة في نفوس المواطنين([114]).
الا ان القاضي كغيره من البشر ليس معصوماً من الأخطاء ، لذا فهو يرتكب بعض الأخطاء يخرج بها عن واجباته الوظيفية بأي شكل من الأشكال مما يؤدي الى إلحاق الضرر بالمتقاضين ، وقد تصدر منه بعض التصرفات السيئة داخل محيط العمل أو خارجه مما يؤثر سلباً على هيبة وكرامة القضاء واستقلاله .
مما يستوجب محاسبته على هذه الأخطاء ، إلاّ ان المشرع وضع قواعد خاصة لمساءلة القاضي عن الأخطاء التي يرتكبها خارج عمله القضائي بما يضمن استقلاله وحمايته من المطالبات المدنية الكيدية ومن الاجراءات الجزائية والتأديبية التعسفية والتي قد تتخذها بحقه السلطة التنفيذية او اية سلطة او هيئة اخرى او يقوم بها الافراد والخصوم ضد القاضي .
وهذه القواعد وان كانت تستهدف ضمان استقلال القاضي وحمايته من المطالبات الكيدية والاجراءات التعسفية الا انها في الوقت نفسه لا تؤدي الى اهدار حقوق المتقاضين الذين لحقهم الضرر مما ارتكبه القاضي من اخطاء ضدهم([115]).
ونتولى في هذا المبحث ايضاح القواعد الخاصة بمساءلة القاضي مدنياً وجزائياً وتأديبياً وبالفقرات الآتية :
أولاً- المساءلة المدنية :
تقام الدعوى المدنية على القاضي في حالات معينة وعلى وفق اجراءات نص عليها القانون تنسجم وطبيعة العمل القضائي والمركز الوظيفي الذي يتمتع به القاضي ويختلف عن المركز الوظيفي لموظفي الدولة الاخرين .
وقد راعى المشرع في حالات المساءلة المدنية للقاضي واجراءاتها الدور المهم والخطير الذي يضطلع به القاضي في مجتمعه ويستهدف في الاصل حماية حقوق وحريات الافراد وبما يضمن استقلال القاضي ويحفظ كرامته وهيبته في مواجهة المتخاصمين مواطنين ومؤسسات حكومية([116]).
والحالات التي تقام فيها الدعوى المدنية على القاضي هي :
1. الغش والتدليس :
يقصد بالغش انحراف القاضي في عمله عما يتطلبه منه القانون بقصد محاباة احد الخصوم او نكاية به ، او تحقيق مصلحة شخصية للقاضي كأن يقوم بالتغيير في وقائع القضية أو التغيير في اقوال الخصوم او الشهود او التغيير في مسودة الحكم او اخفاء المستندات والاوراق الصالحة للاستناد اليها في الحكم ، والمهم ان يثبت ان القاضي قصد الانحراف في عمله ، أي وجود سوء نية لديه والانحراف الذي يصدر من القاضي يمكن تصوره ولو تعلق الامر بعمل له في ادائه سلطة تقديرية([117]).
فالغش في معرض المساءلة المدنية للقاضي هو الذي يقع في اعلى درجات الخطأ ويوجب المسؤولية في حال ألحق الضرر بالغير ، وهو الخطأ المقصود ، كما يستدل على ذلك من اسمه ، والذي يتضمن الدلالة على شرط توفر سوء النية ، مما يجعل سوء النية امر لازم لتوافر الغش فإذا انتفى هذا القصد فلا نكون امام حالة من حالات الغش([118]).
اما التدليس فهو كل عمل او تصرف يأتيه القاضي بقصد التضليل وتشويه الحقيقة بُغية التوصل لاصدار الحكم لصالح احد الخصوم ، وقد يكون الدافع من وراء ذلك الحقد والبغضاء لذلك الخصم او بدافع المحبة له ، او المنفعة الشخصية للقاضي .
كأن يقوم القاضي باخفاء مستند هام من مستندات الدعوى ويعمد الى تلخيص مضمونه في مسودة الحكم بشكل مغاير لحقيقته مما يؤثر على زملائه القضاة في اصدار الحكم لصالح احد الاطراف .
او يعمد لاقناع احد اطراف النزاع بأن الدعوى لا تسير لصالحه على خلاف واقع الحال ، مما يحمله على قبول الصلح مع خصمه في موضوع الدعوى بأقل من حقه ، او اقناع الخصم بأن خصمه ليس على استعداد لاداء اليمين الحاسمة اذا وجهت اليه . وان مصلحته تقتضي تحليف ذلك الخصم مما يضطره الى التنازل عن الادلة المطروحة في الدعوى لصالحه ويطلب توجيه اليمين الحاسمة الى خصمه الذي يبادر على الفور لحلفها مما يؤدي الى ان يربح الدعوى وما كان ليربحها لولا التضليل والخداع الذي صدر من القاضي ، ومما لاشك فيه ان اثبات مثل هذه الحالات ليس من السهل ما لم تكن اوراق الدعوى تدل على احتمال وقوعه([119]).
2.الخطأ المهني الجسيم :
الخطأ المهني الجسيم هو الخطأ الفاضح الذي يقع فيه القاضي وما كان ينساق اليه لو اهتم بواجباته الاهتمام العادي او بسبب اهماله في عمله اهمالاً مفرطاً ، فهو ينطوي على اقصى ما يمكن تصوره من الاهمال في اداء الواجب ، والجهل الذي لا يغتفر بالوقائع الثابتة في اوراق الدعوى والذي لا يقع فيه القاضي المتبصر([120]).
واذا كان الخطأ اليسير كثير الوقوع في العمل ولا يصح مساءلة القاضي عنه حتى لا يتهيب من اصدار الاحكام ، فإن الخطأ الفاضح الذي يصل الى درجة كبيرة من الجسامة لا يجوز اعفاء القاضي من المسؤولية عنه لانه يدل على الاستهتار وعدم التبصر ويتميز الخطأ المهني الجسيم عن الغش في انه لا يشترط في الخطأ الجسيم وجود سوء النية بينما يقترن الغش دائماً بسوء النية([121]) .
ومعيار التفرقة بين الخطأ المهني الجسيم الذي يصلح سبباً لمساءلة القاضي وبين الخطأ المهني اليسير الذي لا يحاسب عليه القاضي يتحدد في لزوم ان يشعر القاضي بالمسؤولية خلال عمله وعدم الجهل بالقواعد الاساسية في القانون([122]) .
فالخطأ في تقدير الوقائع او الخطا في تفسير القانون او تأويله او تطبيقه لا تعد من الاخطاء الجسيمة التي تستوجب مساءلة القاضي مدنياً ، وذلك لان المشرع اجاز للخصوم تصحيح مثل هذه الاخطاء بالطعن بها بطرق الطعن القانونية امام المحكمة نفسها او محكمة اعلى ، كما ان الاجراءات والقرارات التي تتخذها المحكمة اثناء سير المرافعات في الدعوى هي الاخرى تخضع للطعن بعد صدور الحكم الحاسم في القضية ، ومن ثم لا تعد الاخطاء التي ترتكب بشأنها من الاخطاء الجسيمة التي يمكن مساءلة القاضي عنها مدنياً([123]).
ويشترط في الخطأ الجسيم ان يكون مهنياً يرتكبه القاضي اثناء قيامه بواجبات وظيفته وبسببها ، وبصدد دعوى ينظرها ، وان يلحق ضرراً بالخصوم يبرر المطالبة بالتعويض فإذا لم يرتب أي ضرر فلا يمكن مساءلة القاضي مدنياً عنه ، وبامكان الخصم الطعن بالحكم بالطرق التي حددها القانون للطعن بالاحكام القضائية([124]) .
3. قبول المنفعة المادية :
ان قبول القاضي منفعة مادية بقصد محاباة احد الخصوم على وفق ما نصت عليه الفقرة (2) من المادة (286) من قانون المرافعات المدنية ، يُعد سبباً لمساءلته مدنياً .
والمشرع لم يحدد المقصود بهذه المنفعة لذا فهي تشمل الهدية وغيرها من الامور المادية التي يحصل عليها القاضي من احد الخصوم ، وتحمله على الحكم لصالحه في الدعوى التي ينظرها قاصداً الاضرار بخصمه ، ويصدر الحكم بناءً على هذه المنفعة ويترتب عليه الحاق الضرر بالخصم الآخر .
ولا يشترط حصول القاضي على المنفعة قبل ان يصدر الحكم في الدعوى ، بل يكفي الاتفاق مع الخصم على ان يحصل عليها بعد صدور الحكم ، كما لا يشترط ان يحصل عليها القاضي بنفسه مباشرة من الخصم ، انما يكفي ان تقدم لاحد افراد عائلته طالما ثبت علم القاضي بذلك ، وكان من شأن هذه المنفعة ان تمتد للقاضي بصورة مباشرة او غير مباشرة([125]) .
ويلاحظ ان المشرع اشترط مجرد قبول المنفعة لتحقيق المسؤولية المدنية للقاضي، أي وجود تعبير عن ارادته بقبول المنفعة للقيام بعمل او الامتناع عنه او الاخلال بواجباته بقصد محاباة احد الخصوم على حساب الخصم الاخر .
وهذا يعني وجود عرض سابق للقبول ، ولم يشترط القانون شكلاً معيناً في العرض والقبول ، اذ يجوز ان يكون بالقول او الكتابة او الاشارة ، وكل ما يشترط ان يكون جدياً وحقيقياً([126]).
كما لا يشترط ان يتسلم القاضي تلك المنفعة مما يجعل نص الفقرة (2) من المادة 286 من قانون المرافعات المدنية منسجماً مع ما نص عليه المشرع بصدد تحقق اركان جريمة الرشوة على وفق المادة (307) من قانون العقوبات رقم 111 لسنة 1969 المعدل([127]).
4. الامتناع عن احقاق الحق :
اعتبرت الفقرة (3) من المادة 86 من قانون المرافعات المدنية امتناع القاضي عن احقاق الحق سبباً يوجب مسؤوليته المدنية ، واوردت بعض الامثلة يُعد فيها القاضي ممتنعاً عن احقاق الحق ومنها رفضه بغير عذر الاجابة على عريضة قدمت له او يؤخر ما يقتضيه بشأنها من دون مبرر او يمتنع عن رؤية دعوى مهيأة للمرافعة واصدار الحكم فيها بعد ان حان دورها من دون عذر مقبول .
وعلى وفق ما نصت عليه المادة (30) من القانون المذكور فأن القاضي يُعد ممتنعاً عن احقاق الحق اذا امتنع عن الحكم في الدعوى بحجة غموض القانون او فقدان النص او نقصه ، كما يُعد التأخير غير المشروع عن اصدار الحكم امتناعاً عن احقاق الحق .
لذا يمكن القول بأن المقصود بالامتناع عن احقاق الحق هو ان يرفض القاضي صراحة او ضمناً الحكم في الدعوى ، او ان يؤخر الفصل فيها مع انه استكمل اجراءاتها وتحقيقاتها كافة ، واصبحت مهيأة للحكم فيها ، وان يرفض البت في اصدار الامر المطلوب على عريضة احد الخصوم ، ويجب ان لا يستند هذا الرفض الى اسباب قانونية مقبولة ، وما يهم في هذه الحالة هو ثبوت واقعة الامتناع بصرف النظر عن نية القاضي وارادته فيما اذا كان قاصداً الامتناع عن احقاق الحق ام لا ([128]).
فالقاضي ملزم بالحكم في النزاع المعروض عليه في كل الأحوال وتحت أي ظرف من الظروف كون هذه هي مهمته الأساسية ، وعليه في سبيل ذلك ان يجتهد من خلال البحث والدراسة المتواصلين ، والاطلاع على تجارب الآخرين لإيجاد الحلول القانونية الصحيحة وصولاً للحكم العادل في القضايا التي ينظرها ، وان لم تتضمن نصوص القوانين الموضوعية تلك الحلول .
لاسيما وان المادة الأولى من القانون المدني رقم 40 لسنة 1951 قد أوضحت كيفية وصول القاضي إلى حلول قانونية سليمة للقضايا الموجودة لديه ، إذ نصت الفقرة (2) منها على انه " إذا لم يوجد نص تشريعي يمكن تطبيقه حكمت المحكمة بمقتضى العُرف ، فإذا لم يوجد فبمقتضى مبادئ الشريعة الإسلامية الاكثر ملائمة لنصوص هذا القانون دون التقيد بمذهب معين فإذا لم يوجد فبمقتضى قواعد العدالة". واجازت الفقرة (3) من المادة نفسها للمحاكم ان تسترشد بالاحكام التي اقرها القضاء والفقه في العراق ثم البلاد الاخرى التي تتقارب قوانينها مع القوانين العراقية ، مما يجعل المجال واسعاً امام القاضي كي يستنبط الحكم الصحيح لكل قضية ، ومن ثم لا يجوز ان يمتنع عن الحكم في القضايا المعروضة عليه او يؤخر الفصل فيها .
وليس للقاضي ان يمتنع عن قبول الدعاوى بحجة تراكم القضايا عنده وعدم اتساع وقته لانجازها ، كما ليس له ان يمتنع عن تطبيق القانون بحجة انه يخالف اجتهاده الذاتي ، او ان يرفض سماع الادعاء والدفوع بحجة انها تؤدي الى اطالة المرافعة([129]).
وليس له ان لا يقبل الدعوى بحجة انه غير مختص وظيفياً بنظرها وقبل تسجيلها واستيفاء الرسم عنها ودعوة الطرفين ، اذ عليه في مثل هذه الحالة قبول الدعوى وتسجيلها وتعيين موعد المرافعة فيها وبعد جمع الطرفين يقرر احالتها على المحكمة المختصة وظيفياً([130]).
ففي كل هذه الصور يجوز للخصوم اقامة الدعوى المدنية ضد القاضي ، اما اذا كان امتناع القاضي عن قبول الدعوى له ما يبرره قانوناً فلا يعد ممتنعاً عن احقاق الحق ، كما هو الحال عند توافر شروط الفقرة (2) من المادة 47 من قانون المرافعات المدنية([131]).
كما لا يعد القاضي ممتنعاً عن احقاق الحق اذا كان التأخير بالفصل في الدعوى يرجع الى ان المحكمة لم تستكمل تحقيقاتها بعد ، او كان النزاع مما يثير مشاكل معقدة تتطلب وقتاً للتفكير في حلها ، أو لاسباب تتعلق بشخص القاضي ، كأن يتعرض للمرض ، او يتمتع بإجازة او يوفد بواجب رسمي خارج منطقة عمله ، مما يمنعه ذلك من الفصل بالدعوى ضمن السقوف الزمنية المحددة لها([132]).
ولاثبات امتناع القاضي عن احقاق الحق يتعين على الخصم ان يوجه انذاراً له بوساطة الكاتب العدل يتضمن دعوته الى احقاق الحق في مدة اربعة وعشرين ساعة فيما يتعلق بالعرائض وسبعة ايام في الدعاوى ومن دون توجيه هذا الانذار لا تقبل الدعوى المدنية بحق القاضي([133]).
وحددت المواد (287 -292) من قانون المرافعات المدنية اجراءات الدعوى المدنية التي تقام ضد القاضي .
اذ اوجبت المادة 287/1 تقديم الدعوى بعريضة الى محكمة الاستئناف التي يتبعها القاضي ، واذا تعلقت الدعوى برئيس محكمة الاستئناف او احد قضاتها فتقدم عريضة الدعوى الى محكمة التمييز وتنظرها الهيئة الموسعة المدنية ، إذ تكون في هذه الحالة محكمة موضوع عند قبولها للدعوى([134]) .
واوجبت الفقرة (2) من المادة اعلاه ان تشتمل عريضة الدعوى على البيانات اللازمة في العرائض التي تقدم الى المحاكم مع اسم القاضي (المدعى عليه) وبيان أسباب الدعوى وأسانيدها ويرفق بها ما لدى المدعي من اوراق لاثباتها ، كما يجب ان يودع صندوق المحكمة عند تقديم عريضة الدعوى تأمينات مقدارها ثلاثة الاف دينار ، ولا تقبل العريضة اذا لم تتوافر فيها الشروط المذكورة ، ويجب ان تكون العريضة موقعة من المدعي او ممن يوكله في ذلك توكيلاً خاصاً مصدقاً من الكاتب العدل([135]).
ويجب ان لا يتضمن اعذار القاضي ودعوته الى احقاق الحق وان لا تتضمن عريضة الدعوى المقامة ضده عبارات غير لائقة في حق القاضي (المدعى عليه) وبخلافه يحكم على مقدمها بغرامة لا تقل عن الف دينار ولا تتجاوز ثلاثة الاف دينار([136]).
وبعد ان يتبلغ القاضي بعريضة الدعوى المدنية المقامة ضده لا يجوز له ان ينظر في دعوى المدعي الذي يخاصمه او اية دعوى اخرى تتعلق به او بأقاربه او اصهاره حتى الدرجة الرابعة الى حين البت في دعوى المخاصمة .
واذا صدر القرار بعدم قبول دعوى المخاصمة او عجز المدعي عن اثبات ما نسبه الى القاضي عندئذ يستأنف القاضي النظر في الدعوى من النقطة التي وصلت اليها قبل تقديم الدعوى ضده ولا يمنعه من الاستمرار بالنظر فيها تقديم المدعي دعوى ثانية ضده([137]).
وبموجب المادة (290) من قانون المرافعات المدنية يتعين على القاضي (المدعى عليه) الإجابة على عريضة الدعوى المقدمة ضده كتابة خلال ثمانية ايام من تاريخ تبلغه بها ، وبعد وصول الجواب إلى المحكمة المختصة بنظر دعوى المخاصمة أو انقضاء المدة المعينة للجواب ، تدقق المحكمة الأوراق وإذا ظهر لها انه ليس في الأمر ما يوجب إجراء المرافعة في الدعوى فأنها تقرر عدم قبولها ، أما إذا رأت جوازها حددت يوماً لنظرها وبلغت الخصوم بذلك وفي اليوم المعين للمرافعة تجري المحكمة المختصة (الاستئناف او التمييز) المرافعة على الوجه القانوني كنظرها في سائر الدعاوى ، إذ تطبق على الدعوى ذات القواعد التي تطبقها محكمة الموضوع على الدعوى العادية ، كقواعد ترك الدعوى للمراجعة وأصول استماع الدعوى وإصدار الحكم فيها([138]) .
وإذا قدّم المدعي دعوى ثانية ضد القاضي نفسه وبذات الدعوى بعد ان قررت المحكمة المختصة بنظر دعوى المخاصمة عدم قبول دعواه الأولى او بعد عجزه عن اثبات ما نسبه الى القاضي فعليه ان يودع صندوق المحكمة عند تقديم العريضة مبلغ تأمينات مقدارها خمسة آلاف دينار .
والقرار الذي يصدر في دعوى المخاصمة يكون على احد الوجوه الآتية :
- اذا ظهر للمحكمة بعد وقوفها على عريضة الدعوى وجواب القاضي والمستندات المقدمة لها انه لا يوجد وجه لمخاصمة القاضي فيما نسب اليه،او ان عريضة الدعوى لم تستوف الأسباب القانونية والبيانات الالزامية فأنها تقرر عدم قبول الدعوى من دون حاجة لتبليغ الطرفين للحضور للمرافععة امامها وتحكم على المدعي بالغرامة المقررة قانوناً مع تعويض القاضي عما لحق به من ضرر اذا طلب ذلك وتحصل الغرامة من مبلغ التأمينات ويستوفى التعويض كله أو بعضه مما بقى منها([139]).
- اذا ظهر للمحكمة بعد تدقيقها للأوراق جواز قبول الدعوى فأنها تقرر دعوة الطرفين للحضور امامها للمرافعة ونتيجة المرافعة اذا عجز المدعي عن اثبات ما نسبه للقاضي عندئذ تحكم على المدعي بالغرامة ذاتها وتعويض القاضي اذا طلب ذلك .
جـ- اذا ظهر للمحكمة انه سبق لها ان قررت عدم قبول دعوى المدعي او عجز عن اثبات الدعوى السابقة ورأت عدم قبول دعواه الجديدة او عجز عن اثباتها ايضاً ، تعين عليها الحكم على المدعي بالغرامة المقررة قانوناً وتعويض القاضي عما لحقه من ضرر اذا طلب ذلك([140]).
د- اذا اثبت المدعي صحة دعواه فتقضي المحكمة بالزام القاضي بتعويض الضرر الذي اصاب المدعي ، وتشعر مجلس القضاء الاعلى بالامر لاتخاذ الاجراءات القانونية المقتضاة بحق القاضي ، وقد يرى المجلس إحالته الى لجنة شؤون القضاة لمحاكمته انضباطياً على وفق القواعد المبينة بالمواد (58- 62) من قانون التنظيم القضائي رقم 160 لسنة 1979 المعدل .
ويطعن بالقرارات التي تصدرها محكمة الاستئناف فيما يتعلق بالدعوى المدنية ضد القاضي لدى الهيئة الموسعة لمحكمة التمييز ويتبع في تقديم الطعن والفصل فيه الأحكام الخاصة بالطعن بطريق التمييز([141]).
أما إذا كانت الدعوى قد رفعت ضد رئيس محكمة الاستئناف او احد قضاتها ، فإن الهيئة الموسعة لمحكمة التمييز هي التي تختص بنظرها كمحكمة موضوع وقرارها في الدعوى لا يخضع للطعن بأي طريق من طرق الطعن القانونية باستثناء الاعتراض على الحكم الغيابي في حالة اصدارها حكماً غيابياً في الدعوى بحق احد الطرفين([142]).
ثانياً- المساءلة الجزائية :
تهدف ضمانات القاضي في الجانب الجزائي حمايته من التعسف والكيد الذي قد تمارسه ضده السلطة التنفيذية أو الأفراد بسبب الأحكام التي يصدرها .
اذ ان طبيعة العمل القضائي وما يتصف به من خطورة وأهمية وما ينطوي عليه منصب القاضي من قداسة في نفوس الناس تبرر تمييز القضاة عن غيرهم من المواطنين في الدولة فيما يتعلق بالإجراءات الجزائية التي قد تتخذ ضدهم عما ينسب إليهم من أفعال يعاقب عليها القانون الجنائي .
ويجب ان لا ينظر إلى هذه الضمانات على انها ميزة خاصة يراد إضفاؤها على شخص القاضي ، لان النظر إلى استقلال القضاء من زاوية كرامة القاضي نظرة لا تستوعب حقيقة الدور الذي يقوم به القاضي في كونه ملاذ للناس لانصافهم والمعبر عن احسساهم الطبيعي بالعدل .
فاستقلال القضاء لا يتعلق بشخص القاضي إنما بالسلطة القضائية التي ينتمي إليها فهو حق للمجتمع ومن مصلحة المجتمع حماية هذه السلطة من الإجراءات الكيدية والتعسفية .
ووجود هذه الضمانات لا تعني عدم جواز محاكمة القاضي عما يرتكبه من جرائم شأنه شأن أي فرد في المجتمع قد يقع في الخطأ والصواب إنما تعني وضع قواعد خاصة قبل تحريك الدعوى الجزائية ضده وكذلك أثناء محاكمته تستهدف منع وقوع اجراءات تعسفية ضده والحيلولة دون إقامة الدعاوى الكيدية التي ترفع للتشهير بالقاضي والكيد له بسبب الاحكام التي يصدرها حرصاً على استقلال القضاء، وبما يكفل تحقيق الأمن والاستقرار للقاضي أثناء قيامه بواجباته وتضمن للوظيفة القضائية الهيبة والوقار([143]).
واهم ضمانات القاضي في نطاق المسؤولية الجزائية هي :
- يجب ان يختص مجلس القضاء الاعلى بتعيين المحكمة التي يكون لها الحق بأن تفصل في جرائم الجنح والجنايات التي قد تقع من القضاة ، ولو كانت غير متعلقة بوظائفهم([144]).
- في غير حالة الجناية المشهودة فأنه لا يجوز القبض على القاضي وتوقيفه أو اتخاذ الإجراءات الجزائية ضده سواء في مرحلة التحقيق أو رفع الدعوى الجزائية في جناية او جنحة الا بعد استحصال اذن مجلس القضاء الأعلى وبناءً على طلب من الادعاء العام([145]).
- وفي حالة الجناية المشهودة ، وان كان الأصل جواز القبض على القاضي وتوقيفه طبقاً للقواعد العامة ، الا انه يتوجب على الادعاء العام في هذه الحالة ان يرفع الأمر الى مجلس القضاء الأعلى خلال مدة الاربع والعشرين ساعة التالية على توقيف القاضي ، وللمجلس ان يقرر استمرار توقيفه او اخلاء سبيله بكفالة او بغير كفالة وللقاضي ان يطلب سماع اقواله امام مجلس القضاء الاعلى عند عرض الامر عليه([146]). ويحدد مجلس القضاء الاعلى مدة التوقيف في القرار الذي يصدر بالتوقيف او باستمراره([147])
- في حالة صدور حكم بالادانة ضد احد القضاة فان حبسه وتنفيذ العقوبات المقيدة للحرية بالنسبة له ، يجب ان يجري في اماكن مستقلة عن الاماكن المخصصة لحبس السجناء الآخرين([148]).
وذلك من اجل المحافظة على هيبة القضاة والسلطة القضائية التي ينتمون اليها ، ومما لاشك فيه انه يجب ان تستمر هذه الضمانات للقاضي حتى بعد احالته الى التقاعد .
ثالثاً- المساءلة التأديبية :
يتمتع القاضي باستقلال كامل في مجال ابداء الرأي القانوني بالدعوى التي ينظرها ، واذا ما ارتكب بعض الاخطاء في الاحكام التتي يصدرها فإن تلك الاخطاء يتم اصلاحها بالطعن بها بالطرق التي حددها القانون للطعن بالاحكام القضائية ومن دون الحاجة الى مساءلته تأديبياً.
إلا ان القاضي وبحكم كونه من البشر وتحت ظروف معينة قد تصدر منه اخطاء تستوجب مساءلته تأديبياً ، وتكون هذه المساءلة ضرورية كي يقوم القاضي بأداء واجباته على احسن وجه .
لذلك نجد ان غالبية التشريعات عمدت الى وضع قواعد خاصة بالمساءلة التأديبية للقضاة بغية المحافظة على مصالح المتقاضين مع اقرار ضمانات تحفظ هيبة وكرامة القضاء مما قد يتعرض له القاضي من السوء أو الاتهام الباطل .
واهم الامور التي ينبغي ان تقرر بشأن المساءلة التأديبية للقاضي هو ان تضطلع السلطة القضائية بمهمة محاسبته واصدار العقوبات التأديبية بحقه وهو أمر يكاد يكون متبع في معظم الدول .
اما نطاق هذه المساءلة فيشمل حالات ثلاثة هي :
1. ما يتصل بأداء العمل الوظيفي للقاضي :
ان مخالفة القاضي لواجباته التي نص عليها القانون تعرضه إلى المساءلة التأديبية ، كامتناعه عن الإقامة في مركز الوحدة الإدارية التي بها مقر عمله ، وتغيبه عن مقر عمله من دون عذر مشروع ، او افشاء اسرار المداولة اذ ان من واجبات القاضي المحافظة على سرية المداولات وعدم افشاء الاسرار التي يطلع عليها بحكم عمله .
كما ان تأخير الفصل في الدعوى وعدم تحديد موعد لاصدار الحكم من دون مبرر قانوني ، وعدم التقيد بأوقات الدوام والتمييز بين المتقاضين والامتناع عن احقاق الحق ، وسلوكه سلوكاً غير لائق في المهمات الرسمية او عند ارساله في وفد رسمي وقيامه بالتوسط لدى القضاة الاخرين في القضايا لمصلحة احد الخصوم ضد الآخر وعموماً أي سلوك يأتيه القاضي داخل محيط عمله وفيه مساس بكرامة وهيبة القضاء ، يكون محلاً للمساءلة التأديبية .
2. ما يتصل بالحياة الخاصة للقاضي :
اذ يتوجب على القاضي الابتعاد في حياته الخاصة عن أي سلوك ولو كان مشروعاً في ذاته ، إلاّ انه لا يتلائم مع ما يستلزمه الوقار المطلوب للقاضي وان يبتعد عن كل ما يثير الشبهات حوله .
لانه لا يمكن ان نفصل في مجال العمل القضائي بين الوظيفة القضائية والحياة الخاصة للقاضي وقد الزم المشرع في قانون التنظيم القضائي القاضي بالمحافظة على كرامة القضاء والابتعاد عن كل ما يبعث الريبة في استقامته .
3. ما يتصل بالنشاط الخارجي للقاضي :
فلا يحق للقاضي مزاولة العمل التجاري أو أي عمل اخر لا يتفق ووظيفة القضاء ، وكذلك يمتنع عليه الاشتغال بالسياسة أو إبداء الآراء السياسية ، فإذا ما قام القاضي بمثل هذه الاعمال فأنه يكون محلاً للمساءلة التأديبية .
والواقع ان المعايير التي يحاسب بها القاضي تختلف عن تلك التي يحاسب بها غيره من موظفي الدولة ، فهي معايير دقيقة ترجع الى تقاليد القضاء التي تفرض ان يكون للقاضي شخصية وسلوكاً مستقلاً عن غيره من الناس لانه يشغل اكثر الوظائف حساسية .
فالقاضي مطالب بالابتعاد عن مواطن الشبهات فلا يجوز له مثلاً الجلوس في الأماكن العامة والتي لا تليق بمكانته ، ولا يجوز له التردد على التجار ولا ان يركب الباصات ، ولا يقف في الطوابير او يزاحم الناس على سلعة معينة ، وان يحتاط في تعامله مع البائعين ، فلا ينزل الى الأسواق الا عند الضرورة وان لا يتعامل مباشرة مع الناس كلما امكن ذلك ، فالناس تراقب القاضي دائماً وتطلب منه ان يكون في مكان عالٍ لانه يمثل الحياد والنزاهة والسمو([149]).
وباختصار فإن القاضي ملزم بأن يسلك في عمله وخارج اطار العمل سلوكاً يليق بمكانته في المجتمع وسمو ورفعة الوظيفة القضائية وما تحمله من قداسة في نفوس الناس وبخلافه فأنه يتعرض للمساءلة التأديبية بغية تصحيح سلوكه غير المنضبط .
وقد احاط المشرع المساءلة التأديبية للقاضي بضمانات عديدة اهمها :
- لا تقام الدعوى التأديبية ضد القاضي الا بقرار من مجلس القضاء الاعلى ، اذ ان امر تحريكها لم يترك الى أي شخص او أي سلطة وبعيداً عن التأثيرات السياسية . وحسب القانون العراقي تقام الدعوى التأديبية على القاضي بناءً على قرار من مجلس القضاء الاعلى باحالة القاضي على لجنة شؤون القضاة ، وان يتضمن قرار الاحالة بياناً للواقعة المسندة الى القاضي والادلة المؤيدة لها ويبلغ هذا القرار لكل من القاضي والادعاء العام([150])
- يجب اجراء تحقيق جنائي واداري مع القاضي سواء قبل احالته على اللجنة او بعد ذلك وقبل السير باجراءات الدعوى التأديبية . إذ ان هذا التحقيق ضروري فلا يجوز اجراء المحاكمة التأديبية للقاضي من دون وجود هذا التحقيق . وقد خول المشرع لجنة شؤون القضاة ان تجري بنفسها ما تراه مناسباً ولازماً من التحقيقات وان تتبع في اجراءاتها القواعد المنصوص عليها في قانون اصول المحاكمات الجزائية ، ويجوز انتداب احد اعضاء اللجنة ليتولى التحقيق مع القاضي قبل المباشرة بمحاكمته تأديبياً.
- انقضاء الدعوى التأديبية : تنقضي الدعوى التأديبية باستقالة القاضي او احالته الى التقاعد من اجل دفع الحرج عنه ، ولا يؤثر انقضاء الدعوى التأديبية على الدعوى الجزائية او المدنية الناشئة عن الواقعة محل المساءلة التأديبية([151]).
- سرية المحاكمة والحكم : وهذا هو خلاف الاصل الذي يقضي بالعلنية ، وعلى وفق المادة (60 – ثانياً- ب) من قانون التنظيم القضائي تكون المحاكمة التأديبية للقاضي سرية الا ان القرار يُفهم علناً ، في حين نصت المادتين (106-107) من قانون السلطة القضائية المصري على سرية المحاكمة والتحقيق وعلى ان تكون جلسة النطق بالحكم سرية ايضاً. وسرية المحاكمة والحكم تعد جزءاً مهماً من اجراءات حماية هيبة القضاء وان المشرع العراقي جعل اجراءات محاكمة القاضي تأديبياً سرية وحسناً فعل . اما النطق بالحكم فجعله في جلسة علنية انسجاماً مع المبدأ العام في قانون المرافعات المدنية وحماية لهيبة القضاء عامة نرى انه من الافضل ان تكون جلسة النطق بالحكم سرية أيضاً.
- حق الدفاع : ان صيانة حق الدفاع للقاضي اثناء المحاكمة التأديبية امر تقتضيه مبادئ العدالة ، فالعدالة لا تتوافر الا اذا كان حق الدفاع متوفر لكل انسان ضد أي اتهام يوجه اليه . ويشمل هذا الحق تبليغ القاضي بالتهمة المسندة اليه بقرار الاتهام او قرار الاحالة ، وكذلك بتاريخ جلسة المحاكمة لكي يتمكن من اعداد دفاعه بنفسه او عن طريق توكيل محامي للدفاع عنه .
- تسبيب القرار : يجب ان يشتمل القرار التأديبي على الاسباب التي ادت الى صدوره ، اذ ان ذلك من الضمانات الواجب توافرها في كل محاكمة تأديبية فصدور القرار من دون اسباب قانونية يعني انه صدر على وفق المزاج والهوى وهو ما لا يجوز ، وقد نص على ذلك صراحه قانون السلطة القضائية المصري بالمادة (107) منه اذ جاء فيها يجب ان يكون الحكم الصادر في الدعوى التأديبية مشتملاً على الاسباب التي بُنى عليها وان تتلى اسبابه عند النطق به في جلسة سرية ..." وعلى وفق احكام القانون العراقي تكون لجنة شؤون القضاة ملزمة بتسبيب القرار التأديبي بالاستناد إلى المادة (224) من قانون اصول المحاكمات الجزائية رقم 23 لسنة 1971 المعدل . ويطعن بقرار اللجنة امام الهيئة الموسعة لمحكمة التمييز على وفق قانون التنظيم القضائي وعلى وفق الأمر 35 لسنة 2003 أصبح الطعن بقرار اللجنة يقدم أمام مجلس القضاء الأعلى ، ونفضل ان يكون الطعن بقرارات لجنة شؤون القضاة أمام محكمة التمييز إذ ان ذلك يشكل ضمانة اكبر للقاضي .
والعقوبات التأديبية التي تفرضها لجنة شؤون القضاة على وفق المادة (58) من قانون التنظيم القضائي هي :
الانذار ويترتب عليه تأخير علاوة القاضي وترفيعه لمدة ستة اشهر وتأخير الترفيع او العلاوة او كليهما مدة لا تقل عن سنة ولا تزيد على ثلاث سنوات من تاريخ القرار اذا كان قد اكمل المدة القانونية للترفيع والا فمن تاريخ اكمالها .
وانهاء الخدمة وتفرض على القاضي اذا صدر عليه حكم بات بعقوبة من محكمة مختصة عن فعل لا يأتلف وشرف الوظيفة القضائية او اذا ثبت عن محاكمة تجريها لجنة شؤون القضاة عدم اهليته للاستمرار في الخدمة القضائية .
وتنفذ الاحكام الصادرة من لجنة شؤون القضاة عن طريق مجلس القضاء الاعلى الذي يصدر قراراً بتنفيذ العقوبة ولا يجوز نشرها في الجريدة الرسمية او من خلال أي وسيلة اعلامية اخرى .
ويُعد حصر العقوبات التأديبية لاعضاء السلطة القضائية في نص قانوني والزام السلطة التأديبية بعدم الخروج عنها من الضمانات المهمة المقررة للقضاة في مواجهة السلطة القضائية ، كما يجب ان يكون هناك تناسب بين العقوبة والمخالفة المرتكبة من ناحية الجسامة ولا يجوز إيقاع اكثر من عقوبة تأديبية عن المخالفة نفسها الا اذا اجاز القانون ذلك .
ويلاحظ ان منح صلاحية توقيع العقوبة التأديبية الى لجنة مؤلفة من القضاة مهما كانت تسميتها هو من الضمانات المهمة جداً للقاضي لكي يكون بمأمن من محاولات المساس بشخصيته وهيبته عن طريق الصاق مخالفة غير حقيقية به ، وبهذا تتحقق حمايته من السلطة التنفيذية والافراد في آن واحد ، كما ان تحديد العقوبات على سبيل الحصر هو الآخر يشكل ضمانة مهمة للقاضي .
ان إحاطة القاضي بهذه المجموعة من الضمانات في مراحل الدعوى التأديبية كافة يهدف الى حمايته من أفعال الإساءة والاهانة ، او ممارسة الضغط عليه والتي قد يتعرض لها بحجة ارتكابه الأخطاء او المخالفات أثناء ممارسة عمله القضائي ، اذ يفترض في القاضي انه يعمل على تحقيق العدالة ويسعى إليها ، وان ما يرتكبه من أخطاء لا يوجب هتك حرمته والمساس بكرامته .
الخاتمة
بعد ان انتهينا من اعداد البحث نبين ادناه اهم النتائج والمقترحات التي توصلنا اليها من خلال دراستنا لموضوع المركز الوظيفي للقاضي ، ونأمل ان تساهم في دعم استقلال القاضي والسلطة القضائية وتعزيز الثقة بأحكام القضاء ، وتمنع التدخل في اعمال القضاة من اية جهة مهما كانت او الانتقاص من سلطاته التي خولها اياه القانون ، وتهدف الى تطوير الجهاز القضائي بما يعزز مكانته ودوره في المجتمع وينهض بالقدرات والامكانيات العلمية والعملية للقضاة .
أولاً – النتائج :
- يتحدد المركز الوظيفي للقاضي في انه عضو في سلطة مستقلة يؤدي دور هام في المجتمع ، هو ما تمنحه اياه قوانين هذه السلطة من وظائف خطيرة عند الفصل في المنازعات بين الأفراد وبينهم وبين الدولة ، فالقاضي ليس مجرد موظف يقوم بتقديم خدمة عامة ضمن إطار الوظيفة العامة في الدولة .
- اعتبار القاضي عضو في سلطة مستقلة يحرره من القيود التي تفرضها الوظيفة العامة على الموظف من خلال قواعد النظام الاداري التي تحكم تلك الوظيفة ، إذ يخضع القاضي الى قواعد قانونية واجراءات خاصة فيما يتعلق بالتعيين والنقل والانتداب والترقية والاحالة الى التقاعد والتأديب والمساءلة المدنية والجزائية ، وغيرها من الامور الادارية تختلف عن تلك التي يخضع لها موظفي الدولة وتنظم بموجب قانون السلطة القضائية .
- عندما يكون القاضي عضواً في سلطة مستقلة يمثل ذلك حماية حقيقية لحقوق وحريات الافراد ويمكنه من اقامة العدل بين الناس بطريقة فعالة اكثر مما لو كان مجرد موظف يؤدي خدمة عامة . ولذلك نجد ان الدساتير الحديثة اعتبرت القضاء سلطة مستقلة وليست مجرد وظيفة لكي يتمكن من الوقوف على قدم المساواة مع السلطتين التشريعية والتنفيذية في الدولة ، إذ لا تستطيع أي سلطة التدخل في عمل السلطة الاخرى والتجاوز على اختصاصاتها المحددة بموجب الدستور . مما يجعل السلطة القضائية قوية وقادرة على ان تمنع أي تدخل في عملها ، وان تصد أي انتهاك او انتقاص من صلاحياتها واختصاصاتها ، وتلتزم الدولة في الوقت نفسه بمراعاة واحترام المبادئ الاساسية لاستقلال السلطة القضائية في اطار تشريعاتها وممارساتها الوطنية وان تعرض هذه المبادئ على القضاة للموافقة عليها .
- يجب على الدولة ان تتعامل مع القاضي على اساس انه عضو في سلطة مستقلة شأنه في ذلك شأن اعضاء السلطتين التشريعية والتنفيذية وليس مجرد موظف في مرفق عام ، وذلك عندما تقرر له حقوقاً وامتيازات . وان تكفل له ولاسرته حياة مادية كريمة بما يحفظ كرامته ويصون بها استقلاله ونزاهته واستقامته وتكفل له في الوقت نفسه الاحترام والتقدير الادبي وعلى وفق قانون السلطة القضائية ولا يهم بعد هذا توصيف الدرجة الوظيفية للقاضي سواء على اساس انه بدرجة وزير او وكيل وزير او مدير عام او من اصحاب الدرجات الخاصة وغيرها من التوصيفات المتعلقة بوظائف الدولة العليا .
- يجب على القاضي ان يلتزم بالواجبات وقواعد السلوك القضائي التي يفرضها عليه العمل في القضاء المنصوص عليها في القانون ، او تلك التي استقرت في ضمير ووجدان كل قاضي باعتبارها من التقاليد والاعراف القضائية العريقة او بموجب المقررات الدولية ذات الصلة بالسلطة القضائية في مقابل ما توفره له الدولة من حقوق وامتيازات بسبب عمله القضائي .وان يحافظ على استقلاله ويحفظ هيبته ويصون كرامته وكرامة السلطة التي ينتمي اليها ، وان لا يأتي من الافعال ما يتضمن الاساءة الى سمعة القضاء او ينتقص من كرامته وتثير الشك والريبة في استقامته وان يؤمن ياستقلاله كعقيدة راسخة في وجدانه وضميره غير قابلة للمساومة او المجادلة وان لا يسمح لاي سلطة او جهة ان تتدخل في عمله مهما كانت .
- يلاحظ ان دستور جمهورية العراق لسنة 2005 اعتبر القضاء سلطة مستقلة ، واقر مبدأ الفصل بين السلطات الا انه خرق هذا الاستقلال عندما اعطى مجلس النواب (السلطة التشريعية) صلاحية الموافقة على تعيين رئيس واعضاء محكمة التمييز الاتحادية ورئيس الادعاء العام ورئيس هيئة الاشراف القضائي ، وكذلك المصادقة على الموازنة السنوية للسلطة القضائية مما يشكل تدخلاً في عمل السلطة القضائية ويجعلها تحت سلطان التوافقات السياسية والحزبية والمذهبية ، وهذا في الواقع اكبر خطر يهدد استقلال القضاء .
- يجب ان يتولى ادارة السلطة القضائية القضاة من ذوي الخبرة والكفاءة المشهود لهم بالنزاهة والاستقامة في مجال العمل القضائي وان تلتزم تلك الادارة بالمحافظة على استقلال القضاء ، وان تسعى بكل امكانياتها وبصورة مستمرة لتطوير عمل الجهاز القضائي واصلاحه وتطوير كفاءة القضاة بطريقة تكفل حصول جميع القضاة على اساليب هذا التطوير من دون استثناء أو تمييز ، وايجاد الوسائل الكفيلة لتذليل الصعوبات وازالة العقبات التي تعترض حركة التطور في الجهاز القضائي واقتراح مشروعات القوانين التي تتعلق بالسلطة القضائية وعدم التمييز بين القضاة إلاّ على اساس الكفاءة والنزاهة والخبرة وليس بناءً على اعتبارات شخصية او مصلحية . وان تسعى في سبيل توفير احدث الوسائل المادية والعلمية التي تمكن القضاة من اداء عملهم على احسن وجه ، وانشاء مباني حديثة للمحاكم تليق بمكانة السلطة القضائية في المجتمع وصيانة المباني القائمة لما لهذا من اثر على هيبة القضاء في نفوس المتخاصمين وتعزيز الثقة بعدالته .
ثانياً- المقترحات :
- تشريع قانون للسلطة القضائية يتضمن تنظيم عمل تشكيلاتها كافة التي اوجدها الدستور ، والقواعد والاجراءات المتعلقة بادارة شؤون القضاة من اول التعيين في المنصب القضائي ولغاية الاحالة الى التقاعد بما في ذلك استقالة القاضي ومنحه الحقوق التقاعدية اعارته للعمل في المنظمات والحكومات الاجنبية ، واحتساب رواتب القضاة والموازنة المالية الخاصة بالسلطة القضائية وعدم ترك أي شأن من الشؤون المتعلقة بالقضاء للقوانين الاخرى التي لا صلة لها بعمل القضاء كما يتناول القانون حقوق القضاة المادية والمعنوية . مما يقتضي عدم خضوع القضاة لقوانين التقاعد والخدمة المدنية ، وكذلك لقانوني المساءلة والعدالة المرقم 10 لسنة 2008 وهيئة النزاهة المرقم 30 لسنة 2011 ، وإذا كان لابد من اخضاع القضاة للاجراءات المنصوص عليها في القانونين المذكورين فينبغي ان يتولاها مجلس القضاء الاعلى .
- شمول القضاة المحالين الى التقاعد بالحقوق كافة التي يتمتع بها زملائهم في الخدمة وعدم انقاص راتب القاضي عند الاحالة الى التقاعد .
- تعديل نصوص الدستور بما يتفق واستقلال السلطة القضائية وعدم تدخل السلطتين التشريعية والتنفيذية بتعيين القضاة او الموافقة على تعيينهم ، وبأي عمل هو من صميم اختصاصات السلطة القضائية ، وان ترفع ترشيحات القضاة عن طريق مجلس القضاء الاعلى الى رئاسة الجمهورية لاستصدار مرسوم جمهوري بالتعيين على اساس ان رئيس الجمهورية هو رمز سيادة الدولة.
- تحديد رواتب القضاة في اعلى سلم رواتب العاملين في الدولة بما يتناسب واهمية وخطورة المنصب القضائي والخدمة الطويلة للقاضي في الدولة وبما يضمن استقلاله ونزاهته ويؤمن اشباع حاجاته وحاجات اسرته المعاشية الضرورية ، ويصون كرامته ويكون له حصناً منيعاً في مواجهة الاغراءات التي قد يتعرض لها خلال ممارسة عمله .
- ان ينص القانون على التزام الدولة بكفالة استقلال القضاء ، وان تحترم مؤسسات الدولة كافة دعم استقلال السلطة القضائية ، كما تلتزم في الوقت نفسه بكفالة الاحترام والتقدير الأدبي للقاضي ، إذ ان النص على ذلك في القانون سيكون رادعاً لاي جهة تريد ان تتدخل بعمل السلطة لقضائية أو الاساءة اليها ، وجعل اختصاص محاسبة من يخالف ذلك الالتزام من قبل السلطة القضائية تحديداً .
- النص على ان لا يصدر أي قانون يتعلق بادارة شؤون القضاة من غير اخذ رأي مجلس القضاء الاعلى والاطلاع على آراء القضاة بشأنه .
- ان ينص القانون صراحة على حق القضاة في تكوين الجمعيات والمنظمات التي تتولى الدفاع عن حقوقهم في مواجهة الدولة والسلطات التابعة لها لكي لا تكون هذه المسألة محلاً لاجتهاد القائمين على ادارة شؤون القضاء ، وان تكون مستقلة عن السلطة القضائية .
- انشاء نظام امني متكامل يستهدف حماية القضاة من الاعتداءات والتهديدات التي يتعرضون لها بسبب اداء واجباتهم القضائية .
- فك ارتباط المعهد القضائي من وزارة العدل وربطه برئاسة مجلس القضاء الاعلى كونه الجهة المسؤولة عن تعيين القضاة على وفق احكام الدستور والقوانين النافذة ، ولا يوجد مبرر قانوني لابقاء ارتباطه بالوزارة بعد اقرار مبدأ الفصل بين السلطات واستقلال السلطة القضائية اذ ان ارتباطه بالسلطة التنفيذية يشكل خرقاً لاستقلال القضاء .
- النص على عدم تحصين أي قرار من الطعن يصدر ضد القاضي فيما يتعلق بشؤونه الادارية ومساءلته وحقوقه الناشئة عن الخدمة القضائية وان يكون الطعن بهذه القرارات امام الهيئة الموسعة لمحكمة التمييز .
- ان يصار الى تعديل المادة (93) من قانون المرافعات المدنية بما يجعل الحالة الثالثة منها والمتعلقة بابداء القاضي رأيه في الدعوى من حالات عدم صلاحية القاضي بنظر الدعوى بقوة القانون وليس بناءً على طلب الخصوم ، وان يتم شمولها بالحالة الواردة بالفقرة الخامسة من المادة (91) من القانون المذكور .
- تعديل النصوص القانونية المتعلقة بالشكوى من القضاة والخاصة بتوجيه الانذار عن طريق الكاتب العدل ، اذ ينبغي ان يوجه مثل هذا الانذار عن طريق رئاسة الاستئناف التي يتبعها القاضي لان في ذلك ضماناً اكبر لاستقلاله وحفظ هيبته وكرامته ، وان يتم زيادة مبلغ التأمينات المودعة والغرامة المفروضة في حالة رد الشكوى او عدم قبولها حتى يشكل رادعاً حقيقياً للخصوم الذين يكيدون للقاضي بقصد ابعاده من نظر الدعوى ، وفيما لو تضمن الانذار او عريضة الشكوى عبارات فيها اساءة الى سمعة وكرامة القاضي ان يقوم الادعاء العام بتحريك الشكوى الجزائية على اساس انها من الشكاوى المتعلقة بالحق العام .
- في حالة ارتكاب القاضي فعلاً يعاقب عليه القانون الجنائي يجب ان يختص مجلس القضاء بتعيين المحكمة او الهيئة القضائية التي تقوم بمحاكمته ولا يحاكم امام المحاكم الجزائية العادية ، وان تصدر قرارات توقيفه او اخلاء سبيله عند التحقيق معه من مجلس القضاء الاعلى مباشرة ويجوز للمجلس انتداب احد اعضائه للتحقيق معه وان تكون المحاكمة سرية ، وكذلك اصدار الحكم في جلسة سرية .
- في حالة صدور احكام بادانة احد القضاة فأنه ينبغي ان ينص القانون على ان يجري حبسه وتنفيذ العقوبات السالبة للحرية بحقه في غير الاماكن المخصصة لحبس السجناء الآخرين وان يراعى ذلك عند توقيف القاضي في مرحلة التحقيق.
- انشاء دائرة تختص بتنفيذ الاحكام القضائية ترتبط برئاسة مجلس القضاء الاعلى ضماناً لاستقلال القضاء كون تنفيذ الاحكام ذات صلة بحسن سير العدالة وهي مصلحة اولى بالرعاية . اذ ان عدم تنفيذ الاحكام فيه اخلال بسير العدالة وحتى تكون منظومة العمل القضائي متكاملة من اقامة الدعوى ولغاية حصول صاحب الحق على حقه ، مما يمنع ان تكون السلطة التنفيذية عائقاً من تنفيذ الاحكام لاسيما تلك التي تصدر ضدها .
- انشاء جهاز شرطة قضائية يخضع في مباشرة اعماله الى السلطة القضائية كضمان لاحترام تنفيذ الاحكام وقرارات القضاء .
- اقرار نظام علمي وفني لتوزيع الدعاوى على القضاة وبما يضمن العدالة في التوزيع بدلاً من الاساليب القديمة المتبعة حالياً والتي تؤثر على سير العمل وعدم توزيع الدعاوى على القضاة بشكل عادل وعلى قدم المساواة ويخضع توزيعها غالباً الى مزاج وهوى القاضي الاول في المحكمة .
- يجب ان يحاط القضاة علماً بكل ما يوضع في ملفاتهم السرية من ملاحظات واوراق اخرى ، ويجب ان يتولى الاشراف على عمل القاضي عضو في السلطة القضائية بمنصب اعلى من منصب القاضي الذي يجري الاشراف على اعماله او سابق عليه بالاقدمية ، وان يتمتع المشرف القضائي عموماً بالكفاءة والنزاهة والخبرة الطويلة .
- العمل على اعداد كادر اداري متخصص يتولى ادارة المحاكم لكي يرفع عن كاهل القاضي مهمة العمل الاداري ويتفرغ الى عمله الاساسي المتمثل بالفصل في المنازعات .
- ضرورة التداخل التشريعي والنص على ان يكون امر تحديد رواتب القضاة في السلطة القضائية والعاملين في المحاكم من قبل مجلس القضاء الاعلى دون السلطة التنفيذية لاجل ترسيخ وتعزيز استقلالية القضاء وبناء دولة القانون ، وكذلك خضوع موظفي مجلس القضاء والمحاكم التابعة له لقانون السلطة القضائية وليس لقوانين التقاعد والخدمة المدنية .
- ان ينص القانون على ضرورة تأمين الحماية الامنية للقاضي والتأمين الصحي وكفالة علاج القاضي المستمر في الخدمة والمتقاعد .
واخيراً نرجو ان نكون قد قدمنا ما يفيد ويعزز استقلالية القضاء في هذا البلد والله الموفق .
المراجع
أولاً- الكتب :
- ابراهيم امين النفياوي ، مبادئ التنظيم القضائي ، ط1 ، 2006 ، دار النهضة العربية .
- أحمد ابو الوفا ، المرافعات المدنية والتجارية ، ط7 ، دار النهضة العربية ، بدون سنة طبع .
- انس كيلاني ، مسؤولية القاضي المدنية ، ط1 ، 1987 ، دار الانوار للطباعة، دمشق .
- اوليفه دو هاميل وايف مني ، المعجم الدستوري ، المؤسسة الجامعية للدراسات والنشر والتوزيع، ترجمة منصور القاضي،مراجعة العميد د. زهير شكر، ط1.
- داود سمرة ، شرح قانون اصول المحاكمات الحقوقية ، ط1 ، مطبعة دار السلام ، بغداد ، 1923 .
- صادق حيدر ، شرح قانون المرافعات المدنية ، محاضرات القيت على طلبة المعهد القضائي ، بغداد ، 1986 ، مسحوبة على الرونيو .
- ضياء شيت خطاب ، فن القضاء ، معهد البحوث والدراسات العربية ، بغداد ، 1984 .
- عبد الجليل برتو ، قانون اصول المرافعات المدنية والتجارية ، الشركة الاسلامية للطباعة والنشر المحدودة ، بغداد ، 1957 .
- عبد العزيز عامر ، شرح قانون المرافعات الليبي ، مكتبة غريب ، القاهرة ، 1979 .
- عيد محمد القصاص ، الوسيط في قانون المرافعات المدنية والتجارية ، ط1 ، 2005 ، منشورات دار النهضة العربية .
- محسن باقر الموسوي ، القضاء والنظام القضائي عند الامام علي ، ط1 ، 1419هـ/1999م ، الغدير للطباعة والنشر والتوزيع ، بيروت ، لبنان .
- محمد شفيق العاني ، اصول المرافعات والصكوك في القضاء الشرعي ، ط1، مطبعة العاني ، بغداد ، 1950 .
- محمد العشماوي وعبد الوهاب العشماوي ، قواعد المرافعات في التشريع المصري والمقارن ، دار النهضة العربية ، بدون سنة طبع .
- مدحت المحمود ، القضاء في العراق ، ط2 ، 2010 .
- منير القاضي ، شرح قانون اصول المرافعات المدنية والتجارية ، ط1 ، مطبعة العاني ، بغداد ، 1957 .
- طه ابو الخير ، حرية الدفاع ، دار النهضة العربية ، بدون سنة طبع .
- فاروق الكيلاني ، استقلال القضاء ، المركز العربي للمطبوعات ، دار المؤلف، بيروت ، ط2 ، 1999 .
- فتحي والي ، الوسيط في قانون القضاء المدني ، دار النهضة العربية ، القاهرة، 2008 .
- واثبة السعدي ، شرح قانون العقوبات - القسم الخاص ، 1988 .
- وجيه محمد زهران ، مقاضاة قاضي الدعوى تشريعاً وعملاً ، ط1 ، دار الحقانية ، القاهرة ، 2008 ,
ثانياً – القرارات :
- قرارات المحكمة الاتحادية العليا .
- قرارات محكمة التمييز الاتحادية.
ثالثاً- القوانين :
- دستور جمهوية العراق لسنة 2005 .
- قانون المرافعات المدنية رقم 83 لسنة 1969 .
- قانون التنظيم القضائي رقم 160 لسنة 1979 .
- قانون السلطة القضائية رقم 26 لسنة 1963 (الملغي)
- قانون السلطة القضائية لاقليم كوردستان العراق رقم (23) لسنة 2007.
- قانون السلطة القضائية المصري .
- قانون السلطة القضائية في سلطنة عُمان .
- قانون السلطة القضائية المغربي .
([1]) فاروق الكيلاني ، استقلال القضاء ، المركز العربي للمطبوعات ، دار المؤلف ن بيروت ، ط2 ، 1999 ، ص25 وما بعدها .
([2]) المركز العربي لتطوير حكم القانون والنزاهة ، التقارير الوطنية والاقليمية حول وضع القضاء في بعض الدول العربية ، بيروت ، 2004 ، ص35 وما بعدها .
([3]) المادتين (68) و (70) من قانون السلطة القضائية المصري رقم (46) لسنة 1972 والمادتين (45) و (48) من قانون السلطة القضائية العماني ، وقد نصت المادة السابعة والستون /1 من قانون السلطة القضائية العراقي رقم (26) لسنة 1963 الملغي على انه " للحاكم او القاضي او نائب الحاكم ان يستقيل من الخدمة متى شاء ، وفي هذه الحالة يحتفظ بحقه في تناول راتب التقاعد او الاكرامية التي يستحقها بموجب القانون ولا يفقد حقه في الاجازات التي يستحقها" ، ويعد هذا النص من اهم الضمانات لاستقلال القضاء .
([4]) محسن باقر الموسوي ، القضاء والنظام القضائي عند الامام علي ، ط1 ، 1419هـ/1999م، الغدير للطباعة والنشر والتوزيع ، بيروت ، لبنان ، ص160-162 .
([5]) في تفصيل ذلك راجع : المركز العربي لتطوير حكم القانون والنزاهة ، التقارير الوطنية والاقليمية حول وضع القضاء في بعض الدول العربية ، بيروت ، 2004 .
([6]) عيد محمد القصاص ، الوسيط في قانون المرافعات المدنية والتجارية ، ط1 ، 2005 ، منشورات دار النهضة العربية ، ص39.
([7]) قرار محكمة التمييز الاتحادية المرقم 105 / استئنافية منقول/2010 في 14/3/2010 غير منشور وتتلخص وقائع القضية بأن احد القضاة المنتدبين للعمل في هيأة دعاوى الملكية وجهت له الهيئة كتاباً رسمياً تضمن عبارات غير لائقة ومنافية لكرامة القضاء وشكلت تدخلاً في عمله واعتبره القاضي اساءة له فأقام الدعوى لدى محكمة البداءة المختصة طالب الهيأة بتعويضه= =عن الضرر الادبي الذي اصابه جراء ذلك وقضت له محكمة الموضوع بالتعويض المناسب وتأيدَّ الحكم استئنافاً وصدق تمييزاً وتصحيحاً .
([8]) ناصر بن زيد بن ناصر بن داود ، حقوق القضاة المعنوية ، مقال منشور على الموقع الالكتروني لمركز الدراسات القضائية التخصصي .
([9]) المادتين (8) و (9) من المبادئ الاساسية للامم المتحدة بشأن استقلال السلطة القضائية والتي اعتمدتها الامم المتحدة في المؤتمر السابع حول منع الجريمة ومعاملة المجرمين المعقود في ميلان للمدة من 26 آب الى 6 أيلول 1985 واقرتها الجمعية العامة بقراريها 32/40 في 29 تشرين الثاني 1987 و 146/40 في 13 كانون اول 1985 .
([10]) لمزيد من التفصيل راجع التقارير الوطنية والاقليمية حول وضع القضاء في بعض الدول العربية ، المركز العربي لتطوير حكم القانون والنزاهة ، بيروت ، 2004 .
([11]) نصت المادة (41) من قانون التنظيم القضائي رقم (160) لسنة 1979 على " اولاً- لرئيس مجلس القضاء الاعلى ان يمنح القاضي الذي امضى مدة ثلاث سنوات في القضاء اجازة دراسية خارج العراق او داخله لمدة سنتين براتب تام للتخصص في موضوع له علاقة بالاختصاصات القضائية والعدلية والحصول على شهادة الماجستير او الدكتوراه وله تجديد هذه الاجازة لمدة سنة اخرى . ثانياً- يجوز منح اجازة دراسية ثانية لمن انهى اجازته الدراسية الاولى وحصل على شهادة الماجستير لمدة سنتين لغرض الحصول على شهادة الدكتوراه في نفس المواضيع المذكورة في البند "اولاً " من هذه المادة وذلك بعد مضي سنة في مباشرته بوظيفته ولرئيس مجلس القضاء الاعلى تجديد هذه الاجازة لسنة اخرى . ثالثاً – لا تمنح الاجازة الدراسية لمن اتم اربعين سنة من عمره اذا كان يروم الحصول على شهادة الماجستير وخمساً واربعين سنة لم يروم الحصول على شهادة الدكتوراه . رابعاً- تعتبر الاجازة الدراسية خدمة قضائية ويمنح قدماً لغرض الترفيع والعلاوة مدة سنتين لمن يحصل على شهادة الدكتوراه وسنة واحدة لمن يحصل على شهادة الماجستير فقط " .
([12]) نصت المادة (58) من قانون السلطة القضائية العماني على ان " للقضاء عطلة قضائية تبدأ كل عام من اول يوليو وتنهي اخر سبتمبر " ونصت المادة (86) من قانون السلطة القضائية المصري رقم (46) لسنة 1972 على انه " للقضاء عطلة قضائية تبدأ كل عام من اول يوليو وتنتهي اخر سبتمبر ، وتنظم الجمعيات العامة للمحاكم اجازة القضاء خلال العطلة القضائية وفي جميع الاحوال لا يجوز ان تتجاوز مدة الاجازة شهرين بالسنة للمستشارين ومن في درجاتهم وشهراً ونصف بالنسبة لمن عداهم" ، ونصت المادة (87) من القانون نفسه على انه " تستمر محاكم الاستئناف والمحاكم الابتدائية والجزائية في اثناء العطلة القضائية في نظر المستعجل من القضايا وتعين هذه القضايا بقرار من وزير العدل بعد اخذ رأي مجلس القضاء الاعلى " .
([13]) نصت المادة السابعة من قانون السلطة القضائية العراقي رقم (26) لسنة 1963 الملغي على انه " لا تنظر المحاكم في القضايا المدنية والتجارية والشرعية خلال عطلة المحاكم ما لم تكن مستعجلة وتعطل المرافعات فيها من اليوم الاول من شهر تموز الى الخامس عشر من شهر ايلول من كل سنة ، وتعين القضايا المستعجلة خلال هذه المدة ببيان يصدره وزير العدل ونصت المادة الثامنة من قانون السلطة القضائية لاقليم كوردستان العراق رقم 23 لسنة 2007 على " اولاً- لا تنظر المحاكم في الدعاوى الحقوقية والاحوال الشخصية خلال عطلة المحاكم ما لم تكن مستعجلة وتعطل المرافعات فيها من اليوم الاول من شهر تموز الى الاول من شهر ايلول من كل سنة وتعين الدعاوى المستعجلة لهذا الغرض ببيان يصدره رئيس مجلس القضاء . ثانياً- لرئيس مجلس القضاء تقليص مدة العطلة لمدة لا تزيد على (30) يوماً عند الضرورة .
([14]) المادة (10) من مبادئ الامم المتحدة الاساسية بشأن استقلال السلطة القضائية .
([15]) مثال على ذلك ما نص عليه نظام جوازات السفر رقم (2) لسنة 2011 في المادة 15 اولاً- ب- منه والذي منح القضاة والمدعون العامون من الصنفين الاول والثاني جواز سفر خدمة من دون الصنفين الثالث والرابع .
([16]) راجع الفصل (20) من قانون السلطة القضائية المغربي .
([17]) ضياء شيت خطاب ، فن القضاء ، معهد البحوث والدراسات العربية ، بغداد ، 1984 ، ص35 ، وفي المعنى نفسه عيد محمد القصاص ، المصدر السابق ، ص40 ، الهامش رقم(1).
([18]) تنص المادة (30) من قانون المرافعات المدنية رقم 83 لسنة 1969 المعدل على انه لا يجوز لاية محكمة ان تمتنع عن الحكم بحجة غموض القانون او فقدان النص او نقصه والا عد القاضي ممتنعاً عن احقاق الحق ، ويعد ايضاً التأخير غير المشروع عن اصدار الحكم امتناعاً عن احقاق الحق .
([19]) المادة (7) اولاً من قانون التنظيم القضائي رقم 160 لسنة 1979 المعدل والمادة 52/7 من قانون السلطة القضائية رقم 26 لسنة 1963 الملغي .
([20]) ضياء شيت خطاب ، المصدر السابق ، ص35 . وقد حرم الفقهاء المسلمين على القاضي قبوله الهدية سواء من الخصوم او من غيرهم او ضيافة احد الخصمين لخطورة عمل القاضي ، وان ذلك من شأنه التأثير على سير المحاكمة وينقص من عدالتها ويوجب الميل معه فلا يسوي بين الخصوم . لمزيد من التفصيل راجع محسن باقر الموسوي ، المصدر السابق ، ص158 وما بعدها .
([21]) لمزيد من التفصيل راجع مجموعة قواعد مبادئ بانجالور للسلوك القضائي لعام 2001 والتي تبنتها المجموعة القضائية لتدعيم الامانة القضائية والمعدلة في اجتماع المائدة المستديرة لرؤساء المحاكم العليا التي انعقدت في قصر السلام ، لاهاي في 25-26 نوفمبر 2002 .
([22]) المادة 7/ثانياً من قانون التنظيم القضائي رقم (160) لسنة 1979 المعدل .
([23]) تنص المادة (57) من قانون اصول المحاكمات الجزائية رقم 23 لسنة 1971 المعدل على " أ-للمتهم والمشتكي وللمدعي بالحق المدني وللمسؤول مدنياً عن فعل المتهم ووكلائهم ان يحضروا اجراءات التحقيق ، وللقاضي او المحقق ان يمنع اياً منهم من الحضور اذا اقتضى الامر ذلك لاسباب يدونها في المحضر على ان يبيح لهم الاطلاع على التحقيق بمجرد زوال هذه الضرورة ، ولا يجوز لهم الكلام الا اذا اذن لهم ، واذا لم يأذن وجب تدوين ذلك في المحضر. ب- لاي ممن تقدم ذكرهم ان يطلب على نفقته صوراً من الاوراق والافادات الا اذا راى القاضي ان اعطاءها يؤثر على سير التحقيق او سريته . جـ- لا يجوز لغير ممن تقدم ذكرهم حضور التحقيق الا اذا اذن القاضي بذلك " . وتنص المادة (152) من القانون نفسه على انه " يجب ان تكون جلسات المحاكمة علنية ما لم تقرر المحكمة ان تكون كلها او بعضها سرية لا يحضرها غير ذوي العلاقة بالدعوى مراعاة للامن او المحافظة على الاداب ولها ان تمنع من حضورها فئات معينة من الناس " ، وتنص المادة (61/1) من قانون المرافعات المدنية رقم 83 لسنة 1969 المعدل على ان تكون المرافعة علنية الا اذا رأت المحكمة من تلقاء نفسها او بناء على طلب احد الخصوم اجراءها سراً محافظة على النظام العام او مراعاة للآداب ولحرمة الاسرة " .
([24]) تنص المادة (437) من قانون العقوبات العراقي رقم 111 لسنة 1969 المعدل على ان " يعاقب بالحبس لمدة لا تزيد على سنتين وبغرامة لا تزيد على مائتي دينار او باحدى هاتين العقوبتين كل من علم بحكم وظيفته او مهنته او صناعته او فنه او طبيعة عمله بسر فافشاه في غير الاحوال المصرح بها قانوناً او استعمله لمنفعته او منفعة شخص اخر ، ومع ذلك فلا عقاب اذا اذن بافشاء السر صاحب الشأن فيه او كان افشاء السر مقصوداً به الاخبار عن جناية او جنحة او منع ارتكابها " .
([25]) المادة (7/ثالثاً) من قانون التنظيم القضائي .
([26]) ضياء شيت خطاب ، المصدر السابق ، ص36 .
([27]) عيد محمد القصاص ، المصدر السابق ، ص42 ، وتنص المادة (72) من قانون السلطة القضائية المصري على انه " لا يجوز للقاضي القيام بأي عمل تجاري كما لا يجوز له القيام بأي عمل لا يتفق واستقلال القضاء وكرامته ويجوز لمجلس القضاء الاعلى ان يقرر منع القاضي من مباشرة أي عمل يرى ان القيام به يتعارض مع واجبات الوظيفة وحسن ادائها" .
([28]) المادة (16/أ) من الاعلان العالمي لاستقلال القضاء .
([29]) تنص المادة (73) من قانون السلطة القضائية المصري على انه " يحظر على المحاكم ابداء الاراء السياسية ، ويحظر كذلك على القضاة الاشتغال بالعمل السياسي ولا يجوز لهم الترشيح لانتخابات مجلس الشعب او الهيئات الاقليمية او التنظيمات السياسية ، الا بعد تقديم استقالتهم" ونصت المادة (52/أ) من قانون السلطة القضائية رقم 26 لسنة 1963 الملغي على ان من واجبات القاضي " تطبيق نصوص القوانين والقيام بالواجبات المنوطة به لادارة المحاكم وكتم الامور التي اطلع عليها بحكم وظيفته وعدم الانتماء الى الاحزاب السياسية او الاشتغال بالسياسة" .
([30]) عيد محمد القصاص ، المصدر السابق ، ص41-42 .
([31]) المادة (7- رابعاً) من قانون التنظيم القضائي وقد حلّ رئيس مجلس القضاء الاعلى محل وزير العدل بموجب الامر 35 لسنة 2003 ، وضياء شيت خطاب ، المصدر السابق ، ص36. وقد= =نصت المادة (76) من قانون السلطة القضائية المصري على انه "يجب ان يقيم القاضي في البلد الذي يكون فيه مقر عمله ويجوز لوزير العدل لظروف استثنائية ان يرخص للقاضي في الاقامة في مقر المحكمة الابتدائية التابع لها او في بلد اخر يكون قريباً من مقر عمله ، ويكون انتقاله في هذه الحالة على نفقة الحكومة بالوسيلة التي يراها رئيس المكمة ويعتمدها وزير العدل" .
([32]) تنص المادة (67) من قانون التنظيم القضائي على انه " تعين اوقات الدوام في المحاكم بقرار من مجلس القضاء الاعلى حسب المواسم على ان لا تقل مدة الدوام يومياً عن خمس ساعات ، ويجوز تعيين اوقات دوام خاصة في شهر رمضان على ان لا تقل عن اربع ساعات " ، وتنص المادة (77) من قانون السلطة القضائية المصري على انه " لا يجوز للقاضي ان يتغيب عن مقر عمله قبل اخطار رئيس المحكمة ولا ان ينقطع عن عمله لغير سبب مفاجئ قبل ان يرخص له في ذلك كتابه فإذا اخلّ القاضي بهذا الواجب نبهه رئيس المحكمة الى ذلك كتابة...) .
([33]) تنص المادة (7- خامساً) من قانون التنظيم القضائي رقم 160 لسنة 1979 المعدل على انه " يلزم القاضي بما يأتي : خامساً – ارتداء الكسوة الخاصة اثناء المرافعة وذلك وفق تعليمات يصدرها رئيس مجلس القضاء الاعلى " .
([34]) ضياء شيت خطاب ، المصدر السابق ، ص35 .
([35]) وعلى الحكم نفسه نصت المادة (1- ثانياً) من قانون التنظيم القضائي بقولها " القضاء مستقل لا سلطان عليه لغير القانون" .
([36]) نصت المادة (52/ج) من قانون السلطة القضائية العراقي الملغي رقم 26 لسنة 1963 من ضمن الواجبات المفروضة على القضاة " المحافظة على استقلال القضاء والحياد التام وعدم فسح المجال للتأثير على سير العدالة " . واستقلال القضاء ينظر اليه من وجهتين الاول استقلاله بصفته سلطة من سلطات الدولة الثلاث تقف على قدم المساواة مع كل من السلطتين التشريعية والتنفيذية ، وهذا ما يعطي استقلال القضاء معناه الحقيقي لان انكار وصف السلطة على القضاء يجرده من استقلاله . والوجه الثاني استقلال القضاة كأفراد اثناء اضطلاعهم بمهام وظائفهم اذ يمارس القاضي واجبه من دون تأثير أو تدخل من اية جهة كانت ، فلا يخضع الا=
=لحكم القانون والضمير . لمزيد من التفصيل راجع فاروق الكيلاني ، استقلال القضاء ، المركز العربي للمطبوعات ، دار المؤلف ، بيروت، لبنان ، ط2 ، 1999 ، ص26وما بعدها .
([37]) راجع في تفصيل ذلك ما نص عليه قانون العقوبات العراقي رقم 111 لسنة 1969 المعدل في الباب الرابع – الجرائم المخلة بسير العدالة المواد من (223 – 273) منه .
([38]) ضياء شيت خطاب ، المصدر السابق ، ص37 .
([39]) ضياء شيت خطاب ، المصدر السابق ، ص37 .
([40]) فاروق الكيلاني ، المصدر السابق ، ص68 ، ونعتقد بضرورة ان يدرس استقلال القضاء بالمفهوم المشار اليه كمادة اساسية ضمن مناهج المعهد القضائي ، وتعقد دورات للقضاة الذين في الخدمة بهدف ترسيخ مفهوم استقلال القضاء كعقيدة اساسية في ضمائرهم ووجدانهم لا تقبل المساومة او المجادلة ، وليس مجرد التزام قانوني مفروض عليهم .
([41]) فاروق الكيلاني ، المصدر السابق ، ص30 .
([42]) ضياء شيت خطاب ، المصدر السابق ، ص38 .
([43]) فاروق الكيلاني ، المصدر السابق ، ص262 ، وابراهيم امين النفياوي ، مبادئ التنظيم القضائي ، ط1 ، دار النهضة العربية ، ص142 .
([44]) المادة (55 بفقرتيها اولاً وثانياً ) .
([45]) المادة (56) .
([46]) المادة (57) .
([47]) مدحت المحمود ، القضاء في العراق ، ط2 ، 2010 ، ص71 .
([48]) المعجم الدستوري ، المؤسسة الجامعية للدراسات والنشر والتوزيع ، ترجمة منصور القاضي ، مراجعة العميد د. زهير شكر ، تأليف اوليفيه دوهاميل وايف ميني ، ط1 ، ص1022-1023.
([49]) فاروق الكيلاني ، المصدر السابق ، ص268 ، وكانت المحكمة الاتحادية العليا في العراق قد الغت قرار مجلس النواب العراقي برفع الحصانة عن احد اعضائه ومنعه من السفر، لان ذلك= =يدخل ضمن صلاحيات السلطة القضائية وبناءً على طلب منها وفي حالات محددة على سبيل الحصر ، قرارها المرقم 34/اتحادية /2008 في 24/11/2008 ، احكام وقرارات المحكمة الاتحادية للاعوام 2008-2009 ، المجلد الثاني ، نيسان ، 2011 ، اصدارات جمعية القضاء العراقي ، ص53 ويُعد هذا القرار في الواقع منعاً لتدخل السلطة التشريعية بأعمال السلطة القضائية والتجاوز على صلاحياتها واختصاصاتها .
([50]) راجع المادتين (92) و (89) من الدستور .
([51]) الفقرة ثالثاً من المادة (91) من الدستور .
([52]) فاروق الكيلاني ، المصدر السابق ، ص271-272 .
([53]) فاروق الكيلاني ، المصدر السابق ، ص272 .
([54]) فاروق الكيلاني ، المصدر السابق ، ص274 .
([55]) نصت المادة (80) من دستور جمهورية العراق لسنة 2005 على ان يمارس مجلس الوزراء الصلاحيات الاتية (ثانياً- اقتراح مشروعات القوانين) .
([56]) فاروق الكيلاني ، المصدر الساق ، ص275 .
([57]) عبد العزيز عامر ، شرح قانون المرافعات الليبي ، مكتبة غريب، القاهرة ، طبعة 1979 ، ص26 .
([58]) المادة 39/خامساً من قانون التنظيم القضائي .
([59]) كأن يثبت ارتكاب القاضي جريمة رشوة ويُحكم عليه بالسجن بسبب ذلك . قرار محكمة التمييز المرقم 43/موسعة اولى/1995 في 24/12/1994 غير منشور ، او يثبت اقتراضه مبلغ من المال من المحامية التي كانت تترافع امامه خلال عمله القضائي وتسلمه منها هدايا وصدور حكم بحبسه بسبب ذلك .
([60]) المادة 59/اولاً من قانون التنظيم القضائي .
([61]) عيد محمد القصاص ، المصدر السابق ، ص51 .
([62]) المادة (49- اولاً –أ) قانون التنظيم القضائي .
([63]) المادة (50- رابعاً) قانون التنظيم القضائي .
([64]) المادة (50 – ثانياً) قانون التنظيم القضائي ، ويلاحظ ان المشرع العراقي لم يقصد من اقرار مبدأ عدم جواز نقل القاضي ضمان الحماية له انما قصد مراعاة مصلحة الوظيفة العامة تارة ، ومصالح القاضي الشخصية ورغبته بالنقل تارة اخرى ، ونعتقد ان العبارة الاخيرة من الفقرة ثانياً من المادة (50) من القانون تضمنت اتهام وتشكيك بنزاهة واستقلالية القاضي فضلاً عن انها عبارة واسعة وفضفاضة قد تبرر للمسؤولين على ادارة القضاء تفسيرها على وفق ما تهوى ارادتهم ، وهنا تكمن الخطورة اذ قد يستخدم النقل لترهيب وترغيب القاضي ، مما يتطلب معالجة النص بما ينسجم والتغييرات التي شهدها القضاء في العراق بعد سقوط النظام السابق وبما يعزز استقلال السلطة القضائية ويحقق الاحترام الادبي للقضاة .
([65]) المادة (50- ثالثاً) قانون التنظيم القضائي .
([66]) فاروق الكيلاني ، المصدر السابق ، ص329 .
([67]) عبد العزيز عامر ، المصدر السابق ، ص64.
([68]) المادة (49 – أولاً – ب) قانون التنظيم القضائي .
([69]) المادة (49- ثانياً – أ) قانون التنظيم القضائي .
([70]) المادة (49 – ثانياً – ب) قانون التنظيم القضائي .
([71]) المادة (49 ثالثاً) ، قانون التنظيم القضائي .
([72]) فاروق الكيلاني ، المصدر السابق ، ص235 .
([73]) المادة (49 – اولاً – جـ) قانون التنظيم القضائي .
([74]) المادة (50 – خامساً) قانون التنظيم القضائي .
([75]) نصت المادة (65) من قانون السلطة القضائية المصري على انه " يجوز اعارة القضاة الى الحكومات الاجنبية او الهيئات الدولية بقرار من رئيس الجمهورية بعد اخذ رأي الجمعية العامة للمحكمة التابع لها القاضي وموافقة مجلس القضاء الاعلى " . ونصت المادة (40) من قانون السلطة القضائية العُماني على انه " يجوز اعارة القضاة وندبهم للقيام بأعمال قانونية في الجهات الحكومية او الهيئات او المؤسسات الاجنبية العامة او الشركات التي تساهم الدولة في رأس مالها او لدى الحكومات الاجنبية او الهيئات الدولية بقرار من وزير العدل بعد موافقة مجلس الشؤون الادارية بشرط موافقة القاضي على ان يتولى المجلس في حالة الندب تحديد ما يستحقه من مكافئة " .
([76]) المادة (13) من المبادئ الاساسية لاستقلال السلطة القضائية الصادر عن مؤتمر الامم المتحدة السابع لمنع الجريمة .
([77]) المادة (45 – ثانياً- أ ، ب) قانون التنظيم القضائي .
([78]) المادة (45- ثانياً - ب) قانون التنظيم القضائي ، وقد صدر القرار 313 لسنة 1988 ، والمنشور بالوقائع العراقية العدد 3197 في 11/4/1988 قضت المادة (اولاً – 1) منه بأن لا يرقى القاضي الى صنف اعلى الا بعد ان يقدم بحثاً فيما يفيد القضاء والقانون ويأتي بما هو جديد لصالحهما ، واخضعت الفقرة (2) من المادة اعلاه القضاة خريجوا المعهد القضائي بعد مرور ثلاث سنوات على تعيينهم الى تقديم البحث المطلوب في الفقرة (1) وفي حالة فشلهم في ذلك يمهلون ستة اشهر ، وعند عدم ايفائهم بما هو مطلوب منهم باعداد البحث المحقق للغرض المطلوب اعداده من اجله ينقلون من وظيفة القضاء ويعينون خارج مجلس القضاء .
([79]) المادة (45- ثالثاً) قانون التنظيم القضائي ولهذا ينبغي ان لا يتولى هذه المناصب الا اذا كان من القضاة المشهود لهم بالكفاءة والنزاهة والخبرة الطويلة في العمل القضائي ، لان على رأيه يتوقف مصير ترقية القضاة وغيرها من الامور التي تتعلق بالشأن القضائي .
([80]) المادة (42 – اولاً) قانون التنظيم القضائي .
([81]) المادة (4) من القانون رقم 27 لسنة 2008 قانون رواتب القضاة واعضاء الادعاء العام .
([82]) فتحي والي ، الوسيط في قانون القضاء المدني ، دار النهضة العربية ، شارع عبد الخالق ثروت ، القاهرة ، 2008 ، ص176 .
([83]) فاروق الكيلاني ، المصدر السابق ، ص378 .
([84]) صادق حيدر ، شرح قانون المرافعات المدنية ، محاضرات ألقيت على طلبة المعهد القضائي بغداد 1986 مسحوبة على الرونيو ، ص203-204 ، ونميل إلى الرأي القائل بعدم جواز إقامة دعوى أصلية ببطلان الحكم المشوب بعيب عدم الصلاحية اذ ليس من شأن هذا العيب جعل الحكم منعدماً لان الحكم لا ينعدم إلاّ إذا تجرد من أركانه الأساسية بأن يشوبه عيب جوهري جسيم يصيب كيانه ويفقده صفة الحكم ويحول دون اعتباره موجوداً منذ صدوره وعيب عدم الصلاحية لا يصل بالحكم الى هذه الدرجة . عيد محمد القصاص ، المصدر السابق،= =ص67-68 ، لاسيما وان بامكان الخصم الذي لم يكن يعلم بعيب عدم صلاحية القاضي عند نظر الدعوى وصدور الحكم فيها واكتسابه درجة البتات مخاصمة القاضي على وفق ما تنص عليه المواد 286 وما بعدها من قانون المرافعات المدنية .
([85]) راجع المادة (95) من قانون المرافعات المدنية .
([86]) المادة (8) قانون التنظيم القضائي .
([87]) فاروق الكيلاني ، المصدر السابق ، ص380 .
([88]) المادة (91-1) قانون المرافعات المدنية .
([89]) عيد محمد القصاص ، المصدر السابق ، ص59-60 .
([90]) فاروق الكيلاني ، المصدر السابق ، ص385 ، ونرى ان انتهاء الخصومة قبل اقامة الدعوى لا تجعل من القاضي صالحاً للنظر بالدعوى ، وعليه ان يتنحى عن نظرها ، وان لم يطلب الخصم رده ، اذ ان الواقع يشهد ان الخصومات وان انتهت بين اطرافها الا ان اثارها لا تمحى بسهولة وتمتد الى فترة زمنية طويلة لاسيما اذا كانت الخصومة شديدة .
([91]) فاروق الكيلاني ، المصدر السابق ، ص385 .
([92]) ويقصد بالوارث الظاهر في هذه الحالة قيام قرابة بين القاضي واحد الخصوم ابعد من الدرجة الرابعة من شأنها ان تجعل القاضي وارثاً للخصم بفرض وفاته ، فتحي والي ، المصدر السابق، ص178 .
([93]) فاروق الكيلاني ، المصدر السابق ، ص383 .
([94]) المادة (91/4) قانون المرافعات المدنية .
([95]) عيد محمد القصاص ، المصدر السابق ، ص62 .
([96]) المادة (91/5) قانون المرافعات المدنية .
([97]) محمد العشماوي وعبد الوهاب العشماوي ، قواعد المرافعات في التشريع المصري والمقارن ، دار النهضة العربية ، بدون سنة طبع ، ص152 .
([98]) طه ابو الخير ، حرية الدفاع ، دار النهضة العربية ، بدون سنة طبع ، ص532-541.
([99]) محمد العشماوي وعبد الوهاب العشماوي ، المصدر السابق ، ص152 .
([100]) طه ابو الخير ، المصدر السابق ، ص533 .
([101]) احمد ابو الوفا ، المرافعات المدنية والتجارية ، ط7 ، دار النهضة العربية ، بدون سنة طبع ، ص102 .
([102]) محمد العشماوي وعبد الوهاب العشماوي ، المصدر السابق ، ص150 .
([103]) انظر خلاف ذلك ، فاروق الكيلاني ، المصدر السابق ، ص390 وما بعدها ، ونرى ان يصار الى تعديل المادة (215) من قانون المرافعات المدنية بأن يكون من حق محاكم الموضوع كافة الاصرار على قراراتها فيما يتعلق بموضوع الدعوى وليس محكمة معينة من دون محكمة اخرى كما هو الحال عليه الآن .
([104]) تنص المادة (8) من قانون الاثبات رقم 107 لسنة 1979 المعدل على انه " ليس للقاضي ان يحكم بعلمه الشخصي الذي حصل عليه خارج المحكمة ، ومع ذلك فله ان يأخذ بما يحصل عليه من العلم بالشؤون العامة المفروض المام الكافة بها " .
([105]) فاروق الكيلاني ، المصدر السابق ، ص396 .
([106]) عيد محمد القصاص ، المصدر السابق ، ص72-73 .
([107]) عيد محمد القصاص ، المصدر السابق ، ص73 -73، ونعتقد ان الخلافات والاتفاقات في الفكر والسياسة والمذهب والعقيدة اذا تحولت الى نزاعات شخصية بين القاضي واحد الخصوم فهي تكون سبباً لرد القاضي عن نظر الدعوى .
([108]) عيد محمد القصاص ، المصدر السابق ، ص34 .
([109]) فاروق الكيلاني ، المصدر السابق ، ص401 .
([110]) ونعتقد ان مبلغ الغرامة لم يعد كافياً لردع الخصوم الذين يتطاولون على القضاء ويتجاوزون على كرامة القضاة ويسيئون الى سمعة القضاء وهيبته ونزاهته بحجة تقديم مثل هذه الطلبات التي اجازها القانون ، والغاية الحقيقية ابعاد القاضي عن نظر الدعوى او التأخير والمماطلة في حسمها او الكيد للخصوم ، ولهذا يجب ان يلتفت المشرع لمعالجة هذه المسالة وزيادة مبلغ الغرامة ، كما نرى اخضاع طلب الرد ابتداءً الى رسم معين او ايداع تأمينات لاستيفاء الغرامة وذلك للحد من ظاهرة طلبات الرد الكيدية التي تقدم ضد القضاة .
([111]) فاروق الكيلاني ، المصدر السابق ، ص404-405 ؛ وابراهيم امين النفياوي ، المصدر السابق ، ص178 .
([112]) فتحي والي ، المصدر السابق ، ص184 .
([113]) انظر خلاف ذلك ، فاروق الكيلاني ، المصدر السابق ، ص406 ، اذ يقول " لا سلطان على القاضي في التنحي ودور رئيس المحكمة هو مجرد اثبات الاذن بالتنحي للقاضي كعمل اجرائي دون ان يكون له أي اشراف عليه "
([114]) فاروق الكيلاني ، المصدر السابق ، ص343 .
([115]) عيد محمد القصاص ، المصدر السابق ، ص85 ؛ وفاروق الكيلاني ، المصدر السابق ، ص344 .
([116]) اختلف الفقه العربي بشأن طبيعة هذه الدعوى ، وهل هي دعوى تأديبية ام دعوى مسؤولية ام طريق طعن غير عادي ، ويذهب الرأي الراجح الى انها دعوى مسؤولية تهدف للحصول على تعويض الضرر الذي نشأ عن خطأ القاضي لانها ترفع على القاضي مباشرة ضمن قواعد واجراءات محددة ، ولا توجه الى الحكم الذي اصدره والاساس الذي تقوم عليه هذه الدعوى هو اخلال القاضي بواجبات وظيفته . لمزيد من التفصيل بشأن طبيعة هذه الدعوى راجع انس كيلاني ، مسؤولية القاضي المدنية (مخاصمة القاضي) ، ط1 ، 1987 ، دار الانوار للطباعة ، دمشق ، ص16 وما بعدها . وقد اخذ المشرع العراقي في قانون المرافعات المدنية بالرأي القائل انها دعوى مدنية ذات طبيعة خاصة عند تحقق المسؤولية فيها على القاضي يصار الى= تعويض الشخص المتضرر ، وقد جعل زمامها بيد المضرور من تصرف القاضي ، صادق حيدر ، المصدر السابق ، ص456 ؛ منير القاضي شرح قانون أصول المرافعات المدنية والتجارية ، ط1 ، مطبعة العاني بغداد ، 1957 ، ص287 .،
([117]) فتحي والي ، المصدر السابق ، ص170-171 .
([118]) انس كيلاني ، المصدر السابق ، ص70 .
([119]) انس كيلاني ، المصدر السابق ، ص76-77 .
([120]) وجيه محمد زهران ، مقاضاة قاضي الدعوى تشريعاً وعملاً ، ط1 ، دار الحقانية ، القاهرة ، 2008 ، ص41 .
([121]) فاروق الكيلاني ، المصدر السابق ، ص348 .
([122]) صادق حيدر ، المصدر السابق ، ص458 .
([123]) قرار محكمة التمييز الاتحادية المرقم 68 / موسعة مدنية /2004 في 4/9/204 . غير منشور .
([124]) فاروق الكيلاني ، المصدر السابق ، ص348-349 .
([125]) صادق حيدر ، المصدر السابق ، ص460 . مثال ذلك لو باع القاضي لاحد الخصوم مالاً بثمن يزيد عن قيمته او اشترى منه مالاً بأقل من قيمته . كذلك الهدايا التي تقدم له او لافراد عائلته في اية مناسبة كالاعراس والاحتفالات بمولد او ختان كثيرة كانت تلك الهدايا او قليلة . محمد شفيق العاني ، اصول المرافعات والصكوك في القضاء الشرعي ، ط1 ، مطبعة العاني ، بغداد 1950 ، ص216 .
([126]) واثية السعدي ، شرح قانون العقوبات ، القسم الخاص ، 1988 ، ص21 .
([127]) عبد الجليل برتو ، قانون اصول المرافعات المدنية والتجارية ، الشركة الاسلامية للطباعة والنشر المحدودة ، بغداد ، 1957 ، ص529 .
([128]) فتحي والي ، المصدر السابق ، ص172 . ويقول بهذا الصدد " لاشك ان هذه الحالة نادرة ، انما قد تحدث من القاضي على اساس عدم وجود نص قانوني يحكم الدعوى او غموض هذا النص او عدم كفايته في حين على القاضي الا يمتنع او يتأخر عن الفصل في الدعوى والاجابة على عريضة تحت أي ظرف من الظروف ، إذ عليه ان يسعى الى تفسير النص الغامض او تكملة النص الناقص او البحث عن القاعدة الواجبة التطبيق عند عدم النص " .
([129]) صادق حيدر ، المصدر السابق ، ص50 .
([130]) داود سمرة ، شرح قانون اصول المحاكمات الحقوقية ، ط1 ، مطبعة دار السلام ، بغداد ، 1923 ، ص780 .
([131]) تنص المادة (47) من قانون المرافعات المدنية على " 1- على المدعي عند تقديم عريضة دعواه ان يرفق بها نسخاً بقدر عدد المدعى عليهم وقائمة بالمستندات التي يستند اليها مرفقاً بها صوراً من هذه المستندات ويجب عليه ان يوقع هو او وكيله على كل ورقة مع اقراره بمطابقتها للاصل ، وتقوم المحكمة بتبليغها للخصم . 2- لا تقبل عريضة الدعوى اذا لم ترفق بها المستندات والصور المنصوص عليها في الفقرة (1) من هذه المادة ، إلا اذا كانت الدعوى من الدعاوى التي يجب اقامتها خلال مدة معينة وكانت هذه المدة على وشك الانتهاء . 3-لا يجوز تعيين يوم للنظر في الدعوى المشمولة بأحكام الفقرة (2) من هذه المادة الا بعد تقديم المستندات والصور ، وفي حالة عدم تقديمها خلال ثلاثة اشهر من تاريخ دفع الرسم تعتبر عريضة الدعوى مبطلة بحكم القانون .
([132]) فتحي والي ، المصدر السابق ، ص173 .
([133]) داود سمرة ، المصدر السابق ، ص781 . ونرى بأن يكون توجيه الانذار للقاضي عن طريق رئاسة محكمة الاستئناف التي يتبعها القاضي وليس عن طريق الكاتب العدل من اجل ضمان استقلال القضاء والمحافظة على كرامة وهيبة القاضي وتعزيزاً للاحترام والتقدير الادبي المطلوب توفيره للقاضي ، لاسيما بعد استقلال السلطة القضائية بالكامل عن وزارة العدل والسلطة التنفيذية .
([134]) قرار محكمة التمييز الاتحادية المرقم 57/م منقول /2003 في 19/5/2004 غير منشور .
([135]) وذلك لان الدعوى المدنية المقامة على القاضي ذات اثر على صاحبها ، فقد يتنصل منها اذا تأكد ان ليس لديه الامكانية لاثباتها ، وقد يلقى تبعتها على وكيله ويدعي انه لم يأذن له باقامة الدعوى على القاضي ، وليس من الضروري ان يذكر اسم القاضي الذي يريد مخاصمته في الوكالة ، الا اذا كانت الوكالة خاصة بقضية معينة فيجب ان يذكر في الوكالة اسم القاضي المراد مخاصمته ، عبد الجليل برتو ، المصدر السابق ، ص532 .
([136]) والواقع ان مبلغ الغرامة الذي يحكم به على المدعي لا يتناسب وحجم الأضرار المادية والمعنوية التي يمكن ان تلحق بالقاضي والمؤسسة القضائية عموماً ، وما تتركه دعوى المخاصمة من اساءة الى سمعة ومكانة القضاء في المجتمع ، إذا ظهر ان المدعي لم يكن محقاً في دعواه ، كما ان الغرامة لا تنسجم مع خطورة وأهمية وقداسة المنصب القضائي في نفوس الافراد ، وما يضطلع به القاضي من دور مهم وخطير في المجتمع والمتمثل بحماية حقوق وحريات الافراد ، مما يقتضي حمايته من عبث العابثين وردع كل من تسول له نفسه الاعتداء على كرامة القضاء والتطاول على قداسة المنصب القضائي من دون وجه حق ، وهذا يتطلب زيادة مبلغ التأمينات المودعة والغرامة المحكوم بها المدعي اذا تبين انه غير محق في دعواه . واشعار رئاسة الادعاء العام لتحريك الشكوى الجزائية ضد المدعي اذا تضمنت عريضة دعواه واعذار القاضي عبارات بحقه تشكل جريمة يعاقب عليها القانون باعتبارها من جرائم الحق العام وليست متعلقة بشخص القاضي ، للحد من الشكاوي الكيدية التي تقام على القضاة وغايتها الحقيقية أبعاد القاضي عن نظر الدعوى ، واطالة أمد النزاع او الكيد للخصوم ، حفاظاً على هيبة القضاء وعدم افساح المجال للطعن بسمعته ونزاهته او النيل من كرامة ومكانة القاضي في المجتمع وبين اقرانه . أما اذا كانت طبيعة الدعوى تقتضي ايراد عبارة تمس كرامة القاضي فلا يعتبر المدعي متجنياً بذكرها في العريضة ، إذ لا يمكن اقامة الدعوى من دون ذكرها كما لو قال (انه ارتشى من الخصم مبلغ معين) او (طلب مني رشوة) ، منير القاضي ، المصدر السابق ، ص391 .
([137]) المادة (289) ، قانون المرافعات المدنية .
([138]) صادق حيدر ، المصدر السابق ، ص461 .
([139]) المادتين (290 و 291/1) قانون المرافعات المدنية .
([140]) المادة (291/2) قانون المرافعات المدنية .
([141]) المادة (292) قانون المرافعات المدنية .
([142]) المادتين (287/1و 292) مرافعات مدنية ، وصادق حيدر ، المصدر السابق ، ص463 .
([143]) فاروق الكيلاني ، المصدر السابق ، ص355 ؛ وعيد محمد القصاص ، المصدر السابق ، ص96 .
([144]) المادة (95) قانون السلطة القضائية المصري .
([145]) المادة (64) قانون التنظيم القضائي رقم 160 لسنة 1979 والمادة (96) الفقرتين 1و 4 من قانون السلطة القضائية المصري .
([146]) المادة (96/2) قانون السلطة القضائية المصري .
([147]) المادة (96/3) قانون السلطة القضائية المصري .
([148]) المادة (96/5) قانون السلطة القضائية المصري .
([149]) فاروق الكيلاني ، المصدر السابق ، ص365 .
([150]) المادة (60) من قانون التنظيم القضائي ، وقد اصبحت هذه اللجنة تسمى لجنة التأديب والمعايير المهنية بموجب الامر 35 لسنة 2003 ، ولا يهم تسمية اللجنة ، فالمهم ان القاضي لا يحاكم تأديبياً الا امام لجنة مؤلفة من عدد من القضاة ، وهذه اكبر ضمانة للقاضي بهذا الشأن .
([151]) المادة (104) من قانون السلطة القضائية المصري ، والمادة (81) من قانون السلطة القضائية في سلطنة عمان .