(تعليق على قرار المحكمة الاتحادية العليا رقم 36/اتحادية/2013)
العراق بلد ديمقراطي على وفق التوصيف الوارد في دستور عام 2005 وهذا الوصف لا يكون فاعلا ما لم تطبق اليات ديمقراطية في ادارة الحكم، ومن اهم هذه الاليات الانتخابات البرلمانية او المحلية لانتخاب الهيئات التي تتولى الادارة والحكم على مستوى العراق في مجلس النواب او مجالس المحافظات بالنسبة للمحافظات غير المنتظمة بإقليم ، وتبنى المشرع العراقي عدة تشريعات تنظم العملية الانتخابية منها قوانين تنظم سير الانتخابات وأخرى تتعلق بشخص الناخب والمرشح وقوانين تنظم عمل الهيئات المشرفة عليها وكيفية التصويت وآلية المصادقة وبيان جهات الطعن فيها لضمان شفافية العملية الانتخابية وإظهارها بأبهى صورة، إلا ان هذه التشريعات لم تكن بمجملها تمثل طموح المواطن العراقي مثلما شاب بعضها العيب اما في الصياغة او في فكرة معالجة الاشكالية التي تصدت لها، وما حصل في قانون انتخابات مجلس النواب المعدل عندما اغفل نسبة الكوتا النسائية التي اصبحت حق دستوري للمرأة بموجب دستور عام 2005 وعند الطعن في القانون اعلاه امام المحكمة الاتحادية العليا وطلب الحكم بعدم دستوريته وبعد التصدي له اصدرت المحكمة الاتحادية العليا قرارها العدد 12/اتحادية/2010 في 14/6/2010 الذي قضت فيه بعدم دستورية الفقرة رابعا من المادة (3) من قانون تعديل قانون الانتخابات، مما اقتضى من المشرع ان يعالج هذا البطلان باصدار قانون يعدل القانون السابق ، ثم جرت انتخابات مجالس المحافظات عام 2013 وانتخبت المجالس وصودق على نتائج الانتخابات، الا ان احد المرشحين عندما شعر بان له الحق في ان يكون عضوا ولكن نظام المفوضية العليا المستقلة للانتخابات رقم 12 لسنة 2013 حرمه من الترشح رغم حصوله على عدد يؤهله لنيل المقعد، اقام الدعوى امام المحكمة الاتحادية العليا وطعن في الخطوة الثالثة من النظام اعلاه التي نظمت عملية توزيع المقاعد على وفق الكوتا النسائية وطلب الحكم بعدم دستورية تلك الخطوة وأصدرت المحكمة الاتحادية قرارها العدد 36/اتحادية/2013 في 26/8/2013 الذي قضت بموجبه بعدم دستورية الخطوة اعلاه اهم الاضاءات في القرار اعلاه اعرض له على وفق الاتي :-
- ان المفوضية العليا المستقلة للانتخابات حددت بالنظام المرقم 12 لسنة 2013 بان القائمة ذات العدد الاكبر من الاصوات تحصل على مقاعد تتناسب مع عدد تلك الاصوات بعد تقسيم هذا العدد على القاسم الانتخابي وتجد قائمة قد حصلت على خمسة مقاعد واخرى ثلاثة وغيرها اكثر او اقل، وهذا جاء تطبيقا لما جاء في قرار المحكمة الاتحادية العليا العدد العدد 12/اتحادية/2010 الذي منع تسرب اصوات الناخبين لغير مرشحيهم، إلا ان المفوضية اخفقت في معالجة توزيع مقاعد الكوتا النسائية عندما حرمت القائمة التي حصلت على مقعد واحد من ان يصعد المرشح صاحب اعلى الاصوات فيها لاشغال ذلك المقعد وانما اعطته الى صاحبة اعلى الاصوات من النساء التي لا تصل احيانا الى نصف عدد اصوات المرشح من الرجال والاول في تسلسل القائمة وبررت المفوضية ذلك باكمال نصاب الكوتا النسائية في مجلس المحافظة .
- المعالجة التي جاء فيها القرار اعلاه تمثلت بالحكم بعدم دستورية ذلك النص لانه يتعارض مع اكثر من حق للمرشح الاول في القائمة المستبدل فيها بالكوتا النسائية كان قد اقرها الدستور واشار اليها القرار وهي الحقوق الواردة في المواد (14، 16، 20، 38/اولا) ) من الدستور وعندما وجدت المحكمة ان حق المرشح الدستوري قد خرقه حكم الخطوة الثالثة من النظام، فان تلك التعليمات اصبحت مخالفة للاحكام الدستورية مما يوجب تعطيلها لان كل تشريع مالم يطابق الدستور روحا ونصا يصاب بعوار عدم المشروعية الدستورية والجهة التي تقضي بذلك هي المحكمة الاتحادية العليا حصرا على وفق حكم المادة (93) من دستور عام 2005 و قانون المحكمة الاتحادية العليا رقم 30 لسنة 2005 وبذلك فان المحكمة الاتحادية العليا قد ضمنت للمرشح حقه الدستوري وضمنت للمجتمع سلامة تطبيق الدستور وعدم خرقه .
- اما الالية التي رسمتها المحكمة الاتحادية العليا بقرارها اعلاه تمثلت بان تستكمل الكوتا النسائية من القائمة ذات المقاعد الاكثر بان يكون اصحاب اعلى الاصوات من الرجال المرشحين لاشغال المقاعد الثلاث الاولى والرابع يعطى لاعلى صاحبة عدد من الاصوات من النساء في القائمة ذاتها وهكذا يستمر العمل لحين ان تستنفذ القائمة مقاعدها ثم تأتي القائمة الثانية الاقل في عدد الاصوات والتي حصلت على مقاعد بما يعادل الاصوات التي حصلت عليها، الا ان تستكمل المقاعد المخصصة لمجلس المحافظة، لكن بعض القوائم حصلت على مقعد واحد وعند توزيع المقاعد على القوائم الفائزة لم تستكمل الكوتا النسائية وقامت باستبدال المرشح الاول في القائمة التي حصلت على مقعد واحد بمرشحة من ذات القائمة وهي صاحبة اعلى الاصوات النسائية حتى وان كانت تمثل ربع او نصف عدد الاصوات التي حصل عليها المرشح الاول، ووجدت المحكمة الاتحادية ان هذه الالية في التوزيع لم تحقق العدالة التي ينشدها القانون وانها خرقت الحق الدستوري لذلك المرشح مثلما اعتدت على حق الناخب في التصويت حينما حجبت اصواتهم التي توجه بها الى المرشح .
- الالية التي رسمتها المحكمة لم يرد فيها انقاص لحق القوائم في المقاعد التي حصلت عليها وانما قررت ان تستعمل الكوتا النسائية من القوائم التي حصلت على ثلاث مقاعد او اثنان بأن تستبدل المرشح صاحب الاصوات الاقل من القائمة بامرأة صاحبة اقوى الاصوات من بين سائر المرشحات من ذات القائمة، وهذه الالية ضمنت للقائمة التي حصلت على مقعد واحد ان يشغل صاحب اعلى الاصوات فيها بالمقعد الذي فازن به ، مثلما حفظت للقوائم عدد المقاعد التي حصلت عليها لان المرأة المستبدلة بالرجل تكون من ذات القائمة وليس من خارجها وهذا لا يؤثر على اصواتها في مجلس المحافظة او على عدد تمثيلها .
- المحكمة الاتحادية العليا لم تتصدى لعملية التصديق على نتائج الانتخابات او الطعن في العضوية للمرشحين لان هذا الاختصاص لا ينعقد لها وانما ينعقد للهيئة التمييزية المختصة في النظر بنتائج الانتخابات المستقلة في محكمة التمييز ، مثلما لم تكن جهة الطعن في صحة العضوية للمرشحين وانما قرارها كان بموجب اختصاصها في النظر بعدم دستورية التشريع الذي كان محلا للطعن امامها المتمثل بالخطوة الثالثة من نظام المفوضية المستقلة للانتخابات رقم 12 لسنة 2013 وبذلك فإنها لم تتطرق الى صحة العضوية للمرشحين لأنه لا يدخل في اختصاصها .
ومن خلال ما تقدم نجد ان قرار المحكمة الاتحادية لم ينقص من مقاعد القوائم الفائزة ولم يتعرض لعضوية الفائزين من حيث صحة تلك العضوية ولا الى العملية الانتخابية التي حظيت بمصادقة الهيئة التمييزية في محكمة التمييز الاتحادية عند تصديها للاعتراضات التي تقدم بها المرشحون في تلك الانتخابات، وما يتداوله البعض بان المحكمة الاتحادية اتخذت موقفا يؤثر على نصاب القوائم الفائزة لا اساس وإنما قد يكون لدوافع سياسية او ردة فعل لمن خسر مقعده من جراء اعادة توزيع المقاعد على وفق الاحكام الدستورية.
القاضي
سالم روضان الموسوي